يَنْفَرِدُ بِهَا دُوْنَ جَمِيْعِ النَّاسِ فِي وَقْتِ تَلَبُّسِهِ بِهَا، فَمَا يَفْعَلُ مِنَ العِبَادَاتِ؟ قَالَ: فَأُتِيَ بِهَا إِلَى وَالِدِي، فَكَتَبَ عَلَيْهَا عَلَى الفَوْرِ: يَأْتِي "مَكَّةَ" وَيُخْلَى لَهُ، المَطَافُ، وَيَطُوْفُ أُسْبُوْعًا وَحْدَهُ، وَتَنْحَلُّ يَمِيْنُهُ، فَمَا بَاتَ المُسْتَفْتِي بِـ "بَغْدَادَ".
فَأَمَّا الحِكَايَةُ المَعْرُوْفَةُ عَنِ الشَّيْخِ عَبْدِ القَادِرِ أَنَّهُ قَالَ: قَدَمِي هَذِهِ عَلَى رَقَبَةِ كُلِّ وَلِيٍّ للهِ، فَقَدْ سَاقَهَا هَذَا المُصَنِّفُ عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ. وَأَحَسَنَ مَا قِيْلَ فِيَ هَذَا الكَلَامِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَفْصٍ السَّهْرَوَرْدِيُّ (١) فِي "عَوَارِفِهِ" أَنَّهُ مِنْ شَطَحَاتِ الشُّيُوْخِ الَّتِي لَا يُقْتَدَى بِهِمْ فِيْهَا، وَلَا تَقْدَحُ فِي مَقَامَاتِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ، فَكُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِ وَيُتْرَكُ إِلَّا المَعْصُومَ - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ سَاقَ الشُّيُوْخَ المُتَأَخِّرِيْنَ مَسَاقَ الصَّدْرِ الأَوَّلِ، وَطَالَبَهُمْ بِطَرَائِقِهِمْ، وَأَرَادَ مِنْهُمْ مَا كَانَ عَلَيْهِ الحَسَنُ البَصْرِيُّ وَأَصْحَابُهُ مَثَلًا مِنَ العِلْمِ العَظِيْمِ،
(١) هُوَ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الله، أبُو حَفْصٍ، شِهَابُ الدِّيْنِ (ت: ٦٣٢ هـ). تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَكِتَابه: "عَوَارِفِ المَعَارِفِ" فِي التَّصَوُّفِ رَتَّبَهُ (٦٣) بَابًا وَجَعَلهُ فِي سِيَرِ القَوْمِ، وَذَكرَ فِيهِ أَحْوَالَهُمْ، وَسُلُوْكَهُمْ، وَآدَابَهُمْ، وَلِلقوْمِ بهِ عِنَايَةٌ تَامَّةٌ، لِذَا طُبِعَ فِي "مِصْرَ" مَرَّاتٍ فِي هَامِشِ "إِحْيَاءِ عُلُوْمِ الدِّيْنِ" للغَزَالِي فِي مَطْبَعَةِ (بُولاق) سنَةَ (١٢٨٩ هـ و ١٣٠٢ هـ، و ١٣٠٣ - ١٣٠٦ هـ)، وَطُبِعَ مُنْفَرِدًا سَنَةَ (١٢٩٤ هـ) وَبِهامِشِ "الإحْيَاءِ" أَيْضًا في المَطْبَعَةِ الأَزْهَرِيَّةِ بِالقَاهِرَةِ سَنَةَ (١٣١٦ هـ) وَبِدَارِ الكُتُبِ العَرَبيَّةِ بِـ "مِصْرَ" سَنَةَ (١٣٣٢، ١٣٣٤)، وَبِالمَطْبَعَة العُثْمَانِيَّةِ بِـ "مِصْرَ" سَنَة (١٣٥٢ هـ). ثُمَّ طُبِعَ بِـ "مِصْرَ" سَنَةَ (١٣٥٨ هـ) ثُمَّ اعْتَنَى بِتَحْقِيقه عَبْدُ الحَلِيْم مَحْمُوْد،- وَكَان لَهُ عناية بِنَشْرِ كُتُبِ القَوْمِ - مُشَارَكَةً مَعَ مَحْمُودِ بنِ الشَّرِيْفِ، بِدَارِ الكُتُبِ الحَدِيْثَةِ بِـ "القَاهِرةِ" سَنَةَ (١٣٩٢ هـ) هَذِه كُلُّهَا طِبَاعَةٌ، وَصُوِّرَ فِي بَيْرُوت مِرَارًا، فَهَلْ نَالَتْ كُتُبُ السَّلَفِ مِثْلَ هَذِهِ العِنَايَةِ؟!
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute