نَفَقَتِي، وَلِيْ ثَلَاثَةُ أَيَّامِ لَا أَجِدُ ثَمَنَ قُوْتِي، إِلَّا مِمَّا كَانَ لَكَ مَعِي، وَقَدْ حَلَّتْ لِي المَيْتَةُ، وَأَخَذْتُ مِنْ وَدِيْعَتِكَ هَذَا الخُبْزَ وَالشِّوَاءَ، فَكُلْ طَيِّبًا، فَإِنَّمَا هُوَ لَكَ، وَأَنَا ضَيْفُكَ الآنَ، بَعْدَ أَنْ كُنْتَ ضَيْفِي، فَقُلْتُ لَهُ: وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَ: أُمُّكَ وَجَّهَتْ لَكَ مَعِي ثَمَانِيَةُ دَنَانِيْرَ، فَاشْتَرَيتُ مِنْهَا هَذَا لِلْاضْطِرَارِ، فَأَنَا مُعْتَذِرٌ إِلَيْكَ، فَسَكَّتُهُ، وَطَيَّبْتُ نَفْسَهُ، وَدَفَعْتُ إِلَيْهِ بَاقِي الطَّعَامِ، وَشَيْئًا مِنَ الذَّهَبِ بِرَسْمِ النَّفَقَةِ، فَقَبِلَهُ وانْصَرَفَ.
قَالَ وَكُنْتُ أُعَامِلُ بَقْلِيًّا كُلُّ يَوْمٍ بِرَغِيْفٍ وَبَقْلٍ، فَبَقِيَ لَهُ عَلَيَّ، فَضِقْتُ وَمَا أُقْدِرُ عَلَى مَا أُوَفِّيْهِ، فَقِيْلَ لِي: امْضِ إِلَى المَكَانِ الفُلَانِيِّ، فَمَضَيتُ فَوَجَدْتُ قِطْعَةُ ذَهَبٍ، فَوَفَيْتُ بِهَا البِقْلِيُّ، فَكُنْتُ أَشْتَغِلُ بِالعِلْمِ، فَيَطْرُقُنِي الحَالُ، فَأَخْرَجَ إِلَى الصَّحَارَى، لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، فَأَصْرَخُ وَأَهُجُّ (١) عَلَى وَجْهِي، فَصَرَختُ لَيْلَةً، فَسَمِعَنِي العَبَّارُوْنَ، فَفَزِعُوا، وَجَاءُوا فَعَرَفُوْنِي، فَقَالُوا: عَبْدُ القَادِرِ المَجْنُوْنُ، أَفْزَعْتَنَا، وَكَانَ رُبَّمَا أُغْشِيَ عَلَيَّ، فَيَغْسِلُوْنِي وَيَحْسَبُوْنَ أَنِّي مِتُّ، مِنَ الحَالِ الَّتِي تَطْرُقُنِي، وَرُبَّمَا أَرَدْتُ الخُرُوْجَ مِنْ "بَغْدَادَ" فَيُقَالُ لِيْ: ارْجِعْ، فَإِنَّ لِلْنَّاسِ فِيْكَ مَنْفَعَةٌ. وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ الخَشَّابِ قَالَ: كُنْتُ أَشْتَغِلُ بِالعَرَبِيَّةِ، وَأَسْمَعُ بِمَجْلِسِ عَبْدِ القَادِرِ فَلَا أَتَفَرَّغُ لَهُ، فَجِئْتُ يَوْمًا فَسَمِعْتُهُ ثُمَّ قُلْتُ: ضَاعَ اليَوْمُ مِنِّي، فَقَالَ عَلَى المِنْبَرِ: وَيْلَكَ، تُفَضِّلُ الاِشْتِغَالِ بِالنَّحْوِ عَلَى مَجَالِسِ الذِّكْرِ، وَتَخْتَارُ ذلِكَ؟ إِصْحَبْنَا، نُصَيِّرَكَ سِيْبَوَيْهِ، فَقُلْتُ: إِنَّهُ
(١) هَكَذَا هِي عِنْدَ العَامَّةِ فِي نَجْدٍ الآنَ، وَمَعْنَاهَا: أَشْرُدُ، وَلَعَلَّهَا مَأْخُوْذَةٌ مِنَ الهَجْهَاجِ، قَالَ فِي اللِّسَانِ (هَجَجَ): "وَالهَجْهَاجُ: النَّفُوْرُ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute