تَقْدِيْمُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ عَلَى قَوْلِهِ، مَعَ دِلَالَةِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى قَوْلِ الأَئِمَّةِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ القَوْلُ مُخَالِفًا لِقَوْلِهِ، وَلِقَوْلِ الأَئِمَّةِ، وَلِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؟! وَذلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ: لَا نَقْطَعُ، وَلَا نَقُولُ قَطْعًا، وَيَقُوْلُونَ: نَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُوْلُ اللهِ، وَلَا نَقْطَعُ، وَنَقُوْلُ: السَّمَاءُ فَوْقَنَا، وَالأَرْضُ تَحْتَنَا، وَلَا نَقْطَعُ بِذلِكَ، وَيَرْوُوْنَ فِي ذلِكَ أَثَرًا عَنْ عَلِيٍّ، أَوْ حَدِيْثًا مَرْفُوعًا، وَهُوَ مِنَ الكَذِبِ المُفْتَرَى. قَالَ: وَأَصْلُ شُبَهِهِمْ أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَسْتَثْنُوْنَ فِي الإِيْمَانِ، فَيَقُوْلُ أَحَدُهُمْ: أَنَا مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَعَلَى ذلِكَ كَانَ أَهْلُ الثَّغْرِ - "عَسْقَلَانَ"، وَمَا يَقْرُبُ مِنْهَا - فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ سَكَنَهَا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ الفِرْيَابِيُّ (١) وَكَانَ يَأْمُرُ بِذلِكَ، وَكَانَ شَدِيْدًا عَلَى المُرْجِئَةِ، وَعَامَّةُ هَؤُلَاءِ القَوْمِ جِيْرَانُ "عَسْقَلَانَ" ثُمَّ صَارَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَسْتَثْنِي فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَيَقُوْلُ: صَلَّيْتُ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لَا يَكُوْنَ أَتَى بِالصَّلَاةِ كَمَا أُمِرَ، وَلَا تُقُبِّلَتْ مِنْهُ، فَيَسْتَثْنِيْ خَوْفًا مِنْ ذلِكَ. وصَنَّفَ فِي ذلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الثَّغْرِ مُصَنَّفًا، وَشَيْخُهُمْ أَبُو عَمْرِو بنُ مَرْزُوْقٍ، غَايَتُهُ أَنْ يَتْبَعَ هَؤُلَاءِ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّجُلُ وَلَا أَحَدٌ قَبْلَهُ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ يَمْتَنِعُوْنَ أَنْ يَقُوْلُوا: لِمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ مَوْجُوْدٌ هَذَا مَوْجُوْدٌ قَطْعًا، لكِنْ لَمَّا مَاتَ أَحْدَثَ بَعْضُ أَتْبَاعِهِ الاِسْتِثنَاءَ فِي كُلِّ شَيءٍ حَتَّى فِي الإِخْبَارِ عَنِ المَاضِي وَالحَاضِرِ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوْخِ: أَنَّهُ كَانَ يَسْتَثْنِي فِي
(١) مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ وَاقِدِ بنِ عُثْمَانَ، الإِمَامُ، الحَافِظُ، شَيْخُ الإِسْلَامِ (ت: ٢١٢ هـ) مِنْ ثِقَاتِ المُحَدِّثِيْنَ. أَخْبَارُهُ فِي: الجَرْحِ وَالتَّعْدِيْلِ (٨/ ١١٩)، وَالأَنْسَابِ (٩/ ٢٩٠)، وَسِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ (١٠/ ١١٤)، وَتَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ (١/ ٣٧٦)، وَالشَّذَرَاتِ (٢/ ٢٨).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute