للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حَسْرَةً، فَكَانَ النَّاسُ يَنْسِبُوْنَهُ بِهَذَا الكَلَامِ وَبِمَا كَانَ يَعْلَمُ مِنَ العُلُومِ القَدِيْمَةِ إِلَى أَشْيَاءَ، لَعَلَّهُ بَرِيءٌ مِنْهَا.

قُلْتُ: يُشِيْرُ بِذلِكَ ابنُ النَّجَّارِ إِلَى الشَّيْخِ أَبي الفَرَجِ بنِ الجَوْزِيِّ، فَإِنَّهُ حَطَّ عَلَيْهِ فِي "تَارِيْخِهِ" حَطًّا بَلِيْغًا، وَذَكَرَ لَهُ أَشْعَارًا رَدِيْئَةً، تَتَضَمَّنُ الحَيْرَةَ وَالشَّكَّ، وَكَلِمَاتٍ تتَضَمَّنُ الاعْتِرَاضَ عَلَى الأَقْدَارِ، وَقَالَ: هَذَا مِنْ جِنْسِ اعْتِرَاضاتِ ابنِ الرَّوَانْدِيِّ، وَنَسَبَهُ أَيْضًا إِلَى تَعَاطِي فَوَاحِشَ، وَإِلَى المَسْأَلَةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَّةٍ، وَأَنَّهُ خَلَّفَ ثَلَاثَمِائَةَ دِيْنَارٍ. وَقَالَ: لَمَّا كَثُرَ عُثُوْرِيْ عَلَى هَذَا مِنْهُ، وَعَجَزَ تأْوِيْلِي لَهُ، هَجَرْتُهُ سِنِيْنَ، وَلَم أُصَلِّ عَلَيهِ حِيْنَ مَاتَ. وَالشَّيْخُ أَبُو الفَرَجِ - رَحِمَهُ اللهُ - ثِقَةٌ فِيْمَا يَنْقُلُ، وإذَا ثَبَتَ أَوِ اشْتُهِرَ عَنْ أَحَدٍ مِثْلَ هَذِهِ الأُمُوْرِ فَهَاجِرُهُ وَذَامُّهُ مُصِيْبٌ (١) فِيْمَا يَفْعَلُ.

وَقَالَ ابنُ القَطِيْعِيُّ: كَانَ بَيْنَهُ وَبيْنَ ابنِ الجَوْزِيِّ مُبَايَنَةٌ شَدِيْدَةٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ يَقُوْلُ فِي صاحِبِهِ مَقَالَةً، اللهُ أَعلَمُ بِهَا (٢). قَالَ: وَسَمِعْتُ الوَزِيْرَ ابنَ يُوْنُسَ - وَمَجْلِسُهُ حَفِلٌ بِالعُلَمَاءِ - يُثْنِي عَلَى صَدَقَةَ، وَيُنْكِرُ علَى ابنِ الجَوْزِيِّ قَدْحَهُ فِيهِ بِقَوْلِهِ: صَلَّيْتُ إِلَى جَانِبِ صَدَقَةَ، فَمَا سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ، وَقَالَ: الوَاجِبُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ، لَا مِنْ إِلَى جَانِبِهِ، وَأَيْنَ حُضُوْرُ قَلْبِ ابنِ الجَوْزِيِّ مِنْ سَمَاعِ قِرَاءَةِ غَيْرِهِ؟! ثُمَّ مَنْ جَعَلَ هِمَّتَهُ إِلَى تتَبُّعِ شَخْصٍ إِلَى


(١) في (ط): "مَعِيْبٌ".
(٢) ابنُ الجَوزِيِّ مُعَاصِرُهُ، وَمِنْ أَنْدَادِهِ وَأَضْدَادِهِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ فِيْهِ مُنْفَرِدًا؟! فَيَبْقَى الأَمْرُ بِحَاجَةٍ إِلَى نَظَرٍ وَتَثَبُّتٍ، وَاللهُ المُسْتَعَانُ.