للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ: وَلَقَدْ حَكَى لِي شَيْخُنَا مُحِبُّ الدِّيْنِ أَبُو البَقَاءِ: أَنَّ الشَّيْخَ جَمَالَ الدِّيْنِ بْنِ الجَوْزِيِّ كَانَ يَقُوْلُ: إِنِّي لأَرْجُو مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ أَنْ أَجْتَمِعَ أَنَا وَعَبْدُ المُغِيْثِ فِي الجَنَّةِ، قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ الشَّيْخَ عَبْدَ المُغِيْثِ مِنْ عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِيْنَ، فَرَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمَا.

قُلْتُ: وَوَقَعَ أَيْضًا تَنَازُعٌ بَيْنَ عَبْدِ المُغِيْثِ، وَابْنِ الجَوْزِيِّ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - خلْفَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -. فَصَنَّفَ عَبْدُ المُغِيْثِ تَصْنِيْفَيْنِ فِي إِثْبَاتِ ذلِكَ، تَبَعًا لأَبِي عَلِيٍّ البَرَدَانِيِّ (١)، وَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنِ الجَوْزِيِّ فِي كِتَابٍ سَمَّاهُ (٢): "آفَةُ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ وَالرَّدِّ عَلَى عَبْدِ المُغِيْثِ". وَكَانَ عَبْدُ المُغِيْثِ قَدْ حَفَرَ لِنَفْسِهِ قَبْرًا خَلْفَ هَدَفِ الإِمَامِ أَحْمَدَ الَّذِي هُوَ مَدْفُوْنٌ فِيْهِ. فَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: لا يَجُوْزُ ذلِكَ؛ لأَنَّهَا بُقْعَةٌ مُسَبَّلَةٌ، فَلَا يَجُوزُ تَحْجِيْرُهَا، وَلأَنَّ تِلْكَ البُقْعَةِ لَا تَخْلُو مِنْ دَفِيْنِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "كَسْرُ عَظْمِ المَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا" فَقَالَ عَبْدُ المُغِيْثِ: حَفَرْتُ فَلَمْ أَجِدْ عَظْمًا فَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: تِلْكَ بَلِيَتْ، وَبَقِيَ رَضَاضُهَا المُحْتَرَم، وَلَا يَجُوْزُ نَبْشُهَا، قَالَ: وَلأَنَّكَ إِذَا وُضِعْتَ فِي هَذَا القَبْرِ تكُوْنُ رِجلَاكَ عِنْدَ رَأْسِ أَحْمَدَ؛ إِذْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا إِلَّا الهَدفَ، وَهَذَا سُوْءُ أَدَبٍ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ المَرُّوْذِيَّ قَالَ: ادْفُنُونِي بَيْنَ يَدَيْهِ، كَمَا كُنْتُ أَجْلِسُ بَيْنَ يَدَيْهِ؟ قَالَ: فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى مَا قُلتُ، وَمَرَّ مَعَ هَوَاهُ.

قُلْتُ: إِذَا بَلِيَ المَيِّتُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ عَظْمٌ وَلَا أَثَرٌ، فَظَاهِرُ المَذْهَبِ:


(١) تَقَدَّمَ ذلِكَ فِي تَرْجَمَتِهِ، تُوُفِّيَ أَبُو عَلِيٍّ البَرَدَانِيُّ سَنَةَ (٤٩٨ هـ) رقم (٤٦) (١/ ٢٢٠).
(٢) منْهُ نُسْخَةٌ فِي المَشْهَدِ الرَّضَوِي (٤/ ١٢)، رقم (٣٤) عن مؤلفات ابن الجَوْزِيِّ ص (٨٣).