للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مِنْهُمَا بَعْضَ الأَيَّامِ مَا يَدْفَعُهُ إِلَى السَّقَّا، وَكَانَ مُعْظَمُ إِدَامِهِ أَنْ يُشْتَرَى لَهُ بِرَغِيْفٍ مَاءُ البَاقِلَّا، وَمَا رَأَيْتُهُ جَعَلَ عَلَيْهِ دُهْنًا قَطُّ، رَاضِيًا بِذلِكَ مَعَ قُدْرَتِهِ. وَكَانَ يَخْدِمُ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ، لَا يُثقِلُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَا يُكَلِّفُهُمْ شَيْئًا. اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى يَدِ أَحَدِهِمْ فِي الطَّرِيْقِ، وَلَقَدْ كُنَّا عنْدَهُ يَوْمًا جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأُوْذِنَ بِالصَّلَاةِ، فَنَهَضَ بِنَفْسِهِ فَاسْتَقَى المَاءَ لِلْتَّطْهِيْرِ، وَمَا تَرَكَ أَحَدًا مِنَّا يَنُوْبُهُ فِي ذلِكَ، وَلَقَدْ قَدَّمْتُ لَهُ نَعْلَهُ يَوْمًا فَشَقَّ عَلَيْهِ وَجَعَلَ يَقُوْلُ: أَيْشٍ هَذَا؟ أَيْشٍ هَذَا؟ مِثْلُكَ لَا نُسَامِحُهُ فِي هَذَا.

وَسُئِلَ عنْهُ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ المَقْدِسِيُّ فَقَالَ: شَيْخُنَا أَبُو الفَتْحِ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا، حَسَنَ النِّيَّةِ وَالتَّعْلِيْمِ، وَكَانَتْ لَهُ بَرَكَةٌ فِي التَّعْلِيْمِ، قَلَّ مَنْ قَرَأَ عَلَيْهِ إِلَّا انْتَفَعَ، وَخَرَجَ مِنْ أَصْحَابِهِ فُقهَاءٌ كَثِيْرُونَ، مِنْهُمْ مَنْ سَادَ، وَكَانَ يَقْنَعُ بِالقَلِيْلِ، وَرُبَّمَا يكْتَفِي بِبَعْضِ قُرْصِهِ، وَلَمْ يتزَوَّجْ، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ القُرآنَ، وَكَانَ يُحِبُّنَا وَيَجْبُرُ قُلُوْبَنَا، وَيَظْهَرُ مِنهُ البِشْرَ إِذَا سَمِعَ كَلامَنَا فِي المَسَائِلِ، وَلَمَّا انْقَطَعَ الحَافِظُ عَبْدُ الغَنِيِّ عَنِ الدَّرْسِ؛ لاِشْتِغَالِهِ بِالحَدِيْثِ، جَاءَ إِلَيْنَا، وَظَنَّ أَنَّ الحَافِظَ انْقَطَعَ لِضِيْقِ صَدْرِهِ.

وَذَكَرَ ابْنُ الجَوْزِيِّ فِي "المُنْتَظَمِ": أَنَّ المُسْتَضِيءَ فِي أَوَّلِ خِلَافَتِهِ جَعَلَ لِلْشَّيْخِ أَبِي الفَتْحِ حَلْقَةً بِالجَامِعِ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ أَمَرَ بِبِنَاءِ دَكَّةٍ لَهُ فِي جَامِعِ القَصْرِ، وَجَلَسَ فِيْهَا لِلْمُنَاظَرَةِ سَنَة أَرْبَع وَسَبْعِيْنَ، وَلَهُ "تَعْلِيْقَةٌ" فِي الخِلَافِ كَبِيْرةٌ مَعْرُوفَةٌ. وَقَرَأَ عَلَيْهِ الفِقْهَ خَلْقٌ كَثِيْرٌ، قَدْ ذَكَرَ أَعْيَانَهُمْ ابْنُ


= نسخةٌ غيرُ مُعْتَمَدَةٍ: "يَفُتُّهما" - كَمَا هُوَ مُثْبَتٌ - وَهِي أَقْرَب إِلَى الصَّوابِ.