للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يحمد رأيه في ذلك، ولاشك أن المرء لا يكون فارغاً حتى يكون مكفياً صحيح البدن، فمن حصل له ذلك فليحرص على أن لا يُغبَن بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه، ومن شُكْرِه امتثالُ أوامره واجتنابُ نواهيه، فمن فرَّط في ذلك فهو المغبون، والذي يوفَّق لذلك قليل من الناس، ومعلوم أن الإنسان قد يكون صحيحاً ولا يكون متفرغاً لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنياً ولا يكون صحيحاً، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون، وتمام ذلك: أن الدنيا مزرعة الآخرة، وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملها في معصية الله فهو المغبون؛ لأن الفراغ يعقبه الشغل، والصحة يعقبها السقم، ولو لم يكن إلا الهرم كما قيل:

يسر الفتى طولُ السلامة والبقا ... فكيف ترى طول السلامة يفعل

يُرد الفتى بعد اعتدال وصحةٍ ... ينوء إذا رام القيامَ ويحملُ (١)

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل وهو يعظه: ((اغتنم خمساً قبل خمس: شبابَك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغِناك قبل فقرك، وفراغَك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)) (٢).

ورحم الله الإمام البخاري فقد أحسن حين قال:

اغتنم في الفراغ فضل ركوع ... فعسى أن يكون موتك بغتة


(١) مقتبس من مجموع كلام ابن حجر، وابن بطال، وابن الجوزي، كما نقله ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري، ١١/ ٢٣٠.
(٢) الحاكم وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، ٤/ ٣٠٦، ورواه ابن المبارك في الزهد، ١/ ١٠٤،برقم ٢،من حديث عمرو بن ميمون مرسلاً، وقال ابن حجر في فتح الباري، ١١/ ٢٣٥: ((بسند صحيح من مرسل عمرو بن ميمون، فمرسل عمرو بن ميمون شاهد لرواية الحاكم))، وصحح الحديث الألباني في صحيح الجامع الصغير، ٢/ ٣٥٥، برقم ١٠٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>