الله فيه روايتان، روى أبو يوسف عنه: أنه يجوز النكاح فلا يطأها حتى تضع، وهو اختيار الكرخي رحمه الله، وروى محمد رحمه الله عنه: أنه لا يتزوجها؛ لأن النسب ثابت وظهر الفراش في حق النسب، فكذا في حق المنع عن النكاح.
ولا يجوز وطىء كافرة بنكاح ولا ملك يمين، إلا الكتابيات، فنكاح غير الكتابية لا يجوز للمسلم بحال، ونكاح الكتابية يجوز للمسلم سواء كانت حربية أو غير حربية، غير أنها إذا كانت حربية وتزوجها المسلم في دار الإسلام جاز نكاحها من غير كراهة، وإن تزوجها في دار الحرب يجوز نكاحها ويكره هذا، هكذا ذكر محمد رحمه الله في «الأصل» واختلف المشايخ فيه، قال بعضهم: إنما يكره إذا كان من قصده، وقال بعضهم: إنما يكره إذا كان من قصده أن يطأها ثمة كما قال محمد رحمه الله المغازي: إذا دخل دار الحرب بأمته يكره أن يطأها ثمة، وقال بعضهم: إنما يكره إذا كان من قصده أن يستولدها ثمة.
والمرتدة لا يجوز نكاحها على أحد، وكذا المرتد لا يجوز نكاحه مع أحد. وإذا تزوج الرجل بجارية من اكتساب مكاتبه لا يجوز. ولو تزوج بجارية ثم استبرأه المكاتب لا يفسد النكاح، وكذا المكاتب إذا تزوج بجارية من اكتسابه لا يجوز. ولو تزوج بجارية ثم اشتراها بنفسه لا يفسد النكاح.
والفرق: أن الثابت للمولى في اكتساب المكاتب حق الملك لا حقيقة الملك، وحق الملك يمنع ابتداء النكاح ولا يمنع بقاؤه؛ لأن حق الملك ليس إلا الملك الثابت من وجه دون وجه، فاعتبار شبه الوجود إن كان يبقى النكاح، فاعتبار شبه العدم لا يبقى، فلا يجوز نكاح لم يكن بالشك، ولا يبطل نكاح قد كان بالشك.
وإذا زوج الرجل ابنته وهي بالغة برضاها من مكاتبه أو من عبده يجوز، وقد مرّ هذا فيما تقدم. وإن مات المولى ولم يدع مالاً آخر سوى هذا المكاتب وترك ابنته هذه وعصبته لا يفسد النكاح؛ لأن المرأة لا تملك شيئاً من رقبة زوجها، ولو فسد النكاح في هذه الصورة لفسد من هذا الوجه.
بيانه: أن المكاتب لا يملك بسائر أسباب الملك حقاً للمكاتب، فلا يملك بالإرث أيضاً، فإن طلقها المكاتب فإن كان الطلاق رجعياً كان له أن يراجعها، وإن كان الطلاق بائناً ليس له أن يتزوجها، وهذا لأنه ثبت للمرأة في رقبة المكاتب حق الملك، ولهذا لا يملك المكاتب التزوج إلا برضاها، والطلاق البائن يزيل النكاح، فهذا حال ابتداء النكاح، وحق الملك يمنع ابتداء النكاح، وأما الطلاق الرجعي لا يزيل ملك النكاح، والرجعة في حكم استدامة الملك، وحق الملك لا ينافي استدامة ملك النكاح.
ولو لم يكن شيء من ذلك، ولكن مات المكاتب بعد موت المولى وترك ثلاثة آلاف درهم ومهرها على المكاتب ألف درهم، وبدل الكتابة ألف درهم ابتداء (٢٠٣أ١) بالمهر ثم يستوفي بدل الكتابة ويحكم بعتقه في آخر جزء من أجزاء حياته، فيكون ذلك ميراثاً عن مولى المكاتب، النصف للبنت والنصف للعصبة.