إذا أوصى بأن يحج عنه، وهو في منزله، إن بين مكاناً، يحج عنه من ذلك المكان بالإجماع، وإن لم يبين مكاناً بالحج عنه من وطنه عند علمائنا رحمهم الله؛ لأن الوصية بالإحجاج أمر بإقامة غيره مقام نفسه في الحج، فإنما ينصرف مطلق هذا الأمر إلى ما كان واجباً على المنوب عنه، والواجب على المنوب عنه الحج من وطنه، حتى لا يجب عليه ما لم يملك من الزاد والراحلة قدر ما يحمله من وطنه إلى مكة ويرده إلى بلده، وهذا إذا كان ثلث ماله يكفي الحج من وطنه، فأما إذا كان لا يكفي كذلك، فإنه يحج عنه من حيث يمكن الإحجاج عنه؛ لأنه يقدر صرف مطلق الأمر ههنا إلى الإحجاج من وطنه، هكذا ذكر في «الجامع» وإليه أشار في «الأصل» .
وذكر في «شرح القدوري» أن القياس أن تبطل الوصية في هذه الصورة، وفي الاستحسان أن لا تبطل ويحج عنه من حيث يبلغ، وليس هذا كما إذا كان له أوطان شتى؛ فإن في تلك الصورة يحج عنه من أقرب أوطانه إلى مكة؛ لأنه إذا حج من أقرب أوطانه إلى مكة كان النائب نائباً بجميع ما على المنوب عنه أن يحج من أي وطن شاء، ولا كذلك ما إذا كان له وطن واحد.
هشام عن محمد رحمه الله في «نوادره» : مكي قدم خراسان، ومات بها، وأوصى أن يحج عنه، قال: يحج عنه من مكة، وإذا خرج من بلده يريد الحج، فمات فأوصى بأن يحج عنه حجة، فإنه يحج عنه من حيث مات في قول أبي يوسف ومحمد، وفي قول أبي حنيفة يحج عنه من وطنه، هكذا ذكر المسألة في «الجامع الكبير» القياس أن يحج عنه من وطنه، وفي الاستحسان يحج عنه من حيث مات.
وذكر في وصايا «المبسوط» أنه يحج عنه من حيث أوصى ومات، ولم يذكر الخلاف والقياس والاستحسان، وبعض مشايخنا قالوا: يجعل ما ذكر في الجامعين تفسير لما أبهم في المبسوط، ويجعل بعض ما ذكر في «الجامع الصغير» تفسيراً لبعض ما ذكر في «الجامع الكبير» ، وبعض ما ذكر في «الجامع الكبير» تفسيراً لبعض ما ذكر في «الجامع الصغير» ، فصار حاصل الجواب على قول هذا القائل أنه يحج من وطنه قياساً، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله، ومن حيث مات وأوصى استحساناً وهو قولهما، وهذا إذا خرج من وطنه يريد الحج، فأدركه الموت في الطريق، وأوصى بأن يحج عنه حج عنه من وطنه لا من حيث إنه مات عندهم جميعاً.
وكذلك على هذا الخلاف إذا أحج الوصي عن الميت رجلاً، ومات النائب في بعض الطريق حتى وجب على الوصي أن يحج رجلاً آخر عن الميت، فعلى قول أبي حنيفة يحج آخر عنه من وطنه لا من حيث مات الأول، وعندهما من حيث مات الأول، وحاصل الخلاف في هذه المسألة راجع إلى أن ما أدي من السفر بنية الحج هل يبطل