فهو نذر بالصدقة، أمّا إذا نوى الصدقة، فلأنه نوى ما يحتمله لفظه، وأما إذا لم ينوِ، فلأن هذا فكان له بيانه أولى عند الاحتمال، ومتى صارت نذراً كان عليه أن يتصدق بقيمتها كما لو نص عليه.
وإذا قال: أرضي هذه السبيل ولم يزد على هذا، فيه تفصيل: فإن كان هذا الرجل من قوم هذا اللفظ في متعارفهم: وقف، وإن لم يكن من قوم تعارفهم أن هذا وقف، يسأل عنه إن أراد به الوقف فوقف وإن أراد به الصدقة فهو صدقة فيتصدق بعينها أو بثمنها، وذكرنا في المسألة المتقدمة وهو ما إذا قال: جعلت أرضي هذه للفقراء ولم ينوِ شيئاً أنه يكون نذراً ولا فرق بينهما؛ لأنه إذا صار نذراً، فإذا مات يصير ميراثاً عند هذه الجملة في الباب الأول من «الواقعات» . وفي هذا الموضع أيضاً إذا قال: ضيعتي هذه للسبيل، فلم يزد على هذا لم يصر وقفاً، إلا إذا كان القائل في ناحية يفهم أهل تلك الناحية بها الوقف المؤبد بشرائطه؛ لأن المطلق ينصرف إلى المتفاهم فيصير كالتصريح بالوقف وفي هذا الموضع أيضاً إذا قال: اشتروا من غلة داري هذه كل شهر بعشرة دراهم حراً وفرقوا على المساكين صارت الدار وقفاً؛ لأن هذا لفظ يودي معنى الوقف، فصار كما قال: وقفت داري هذه بعد موتي على المساكين.
وفيه أيضاً رجل قال في مرضه: جعلت ترك كرمي وقفاً، وكان فيه تمراً ولم يكن صار الكرم وقفاً وهذا؛ لأن الترك لا يصير وقفاً إلا بوقف الكرم فقال قوله وقفت ترك كرمي منزلة قوله وقفت كرمي بما فيه من الترك، وكذلك لو قال: جعلت غلة كرمي وقفاً وفي «وقف هلال» إذا قال: أوصى بأن يوقف بثلث أرضه بعد وفاته لله تعالى أبداً، كان وصية بالوقف على الفقراء؛ لأن الوقف لله تعالى يكون وقفاً على المساكين فالأمر بالوقف لله يكون أمراً بالوقف على المساكين وفيه أيضاً إذا قال: أرضي هذه موقوفة على وجوه البر أو على وجوه الخير فهو وقف صحيح على المساكين لأن البر عبارة عن الصدقة قال الله تعالى: {أن تبروهم}(الممتحنة: ٨) والخير والبر بمعنى واحد، فصار على تقدير كلامه أرضي هذه صدقة موقوفة.
[الفصل الثاني: فيما يتعلق بجواز الوقف وصحته وشرائط صحته]
ذكر في «ظاهر الرواية» أن شرط جواز الوقف عند أبي حنيفة الإضافة إلى ما بعد الموت، أو الوصية حتى أو يضيف إلى ما بعد الموت، ولم يوصى به لم يصح. وقال أبو يوسف ومحمد: هذا ليس بشرط، حتى يمنع من بيعه ولا يورث عنه متى مات. وحاصل الخلاف راجع إلى أن تقدير الوقف مادي قال أبو حنيفة: تقديره حبست العين على ملكي، وتصدقت به على المساكين، فلا يصح إذا كانت الثمرة معدومة إلا بطريق الوصية، وعلى قولهما: تقدير الوقف إزالت العين عن ملكي إلى الله تعالى، وجعلته محبوساً في ملكه ومنفعته للعباد، وهذا صحيح، وإن لم يكن موصي، كما في المسجد قال شمس الأئمة السرخي: الإضافة إلى ما بعد الموت أو الوصية عند أبي حنيفة ليست بشرط للجواز، فإن الوقف جائز عنده بدون ذلك، لكنه غير لازم، وإنما يصير لازماً بالإضافة إلى ما بعد الموت، أو بالوصية به وهذا؛ لأن أبا حنيفة يجعل الواقف حابساً العين على ملكه، صارفاً المنفعة إلى الجهة التي سماها، فيكون بمنزلة العارية، والعارية جائزة غير لازمة، ومعنى الجواز جواز صرف الغلة إلى تلك الجهة، وتفسير الوصية به أن يقول: جعلت أرضي هذه صدقة موقوفة مؤبدة وأوصيت به بعد موتي، فإذا قال ذلك يكون لازماً، حتى لا يملك بيعه قبل الموت ولا يورث عنه، وذكر محمد رحمه في «السير الكبير» إذا أضافه إلى ما بعد الموت يصح عند أبي حنيفة بطريق الوصية لغلة داره لإنسان أو غلة أرضه أو يوصي ذلك للفقراء، وهو كالوصية بالعين وذكر الطحاوي أن الوقف المباشر في مرض الموت عند أبي حنيفة كالمضاف إلى ما بعد الموت، حتى أن الوقف المباشر في مرض الموت يقع لازماً جائزاً على ما ذكره الطحاوي قال شمس