الظاهر شاهد له؛ لأن الظاهر أن الإنسان إنما يتصرف في ملك الغير لذلك الغير، وإن أقام الآجر بينة على ما ادعى من الغصب لا تقبل بينته؛ لأنه بهذه البينة يريد إبطال قول المستحق، والبينات شرعت للإثبات لا للإبطال. وإن أقام بينة على إقرار المستحق بما ادعى من الغضب قبلت بينته، وكانت الأجرة له؛ لأنه بهذه البينة لا يبطل قول المستحق إنما يثبت إقراره بالغصب، ثم إذا ثبت الغصب يترتب عليه حكم الأجرة. ولو كان الآجر بنى في الأرض بناء، ثم أجرها مبنية. فقال رب الأرض: أمرتك أن تبني وتؤاجر وقال الآجر: غصبتك وبنيتها وأجرتها، قال: يقسم الأجر على قيمة الأرض غير مبنية. وعلى البناء، فما أصاب الأرض فهو لرب الأرض، وما أصاب البناء فهو للغاصب؛ لأن في البناء الظاهر شاهد للغاصب؛ لأن البناء في يده.
[الفصل الثلاثون: في الإجارة الطويلة المرسومة ببخارى]
قال محمد رحمه الله في كتاب الشروط: في الرجلين أجرا من رجل داراً عشر سنين، فخاف المستأجر أن يخرجاه منها، فأراد أن يستوثق من ذلك، فالحيلة: أن يستأجر كل شهر من الشهور الأول بدرهم، والشهر الآخر مقسم الأجر، فإن معظم الأجر إذا كان للشهر الآخر، فهما لا يخرجانه من الدار.
وعن هذه المسألة استخرجوا الإجارة الطويلة المرسومة ببخارى، أو جعلوا أجر السنين المتقدمة شيئاً قليلاً، وجعلوا معظم الأجر للسنة الأخيرة. وحكي أن في الابتداء كانوا يكتبون بيع المعاملة مثلما كان في زمن الفقيه محمد بن إبراهيم الميداني، كره ذلك لمكان شبة الربا، وأخذت هذا النوع من الإجارة ليصل الناس إلى الاسترباح بأموالهم، فيحصل لهم منفعة الدار والأرض مع الأمن عن ذهاب شيء من مقصود المال.
وقد أخبرني من أثق به: أني وجدت الإجارة الطويلة المرسومة في فتاوى قديمة مروّية عن محمد، برواية الشيخ الإمام الزاهد أبي جعفر الكبير، وإنما شرط الخيار لكل واحد منهما؛ ليتمكن كل واحد منهما من الفسخ، فيصل إلى أصل ماله بواسطة الفسخ، وإنما اشتبه ثلاثة أيام من آخر كل شهر حتى يشترط الخيار في هذه الأيام المستثناة فيكون شرط في غير الأيام الداخلة في العقد، إذ لو كان شرط الخيار في الأيام الداخلة في العقد يزيد الخيار على ثلاثة أيام في العقد. وإنه يفسد العقد عند أبي حنيفة. أما إذا شرط الخيار في الأيام المستثناة عن العقد، كان هذا اشتراط زيادة على ثلاثة أيام في غير العقد، ولأنه لا يفسد العقد؛ ولأنا إذا شرطنا الخيار في الأيام الداخلة في العقد، لا يصح الفسخ من غير محضر من صاحبه عند أبي حنيفة ومحمد، فشرطنا الخيار في هذه الأيام المستثناة عن العقد؛ لتمكن كل واحد منهما من الفسخ بغير محضر من صاحبه؛ لأن الفسخ يكون امتناعاً من لزوم العقد بعد هذه الأيام، فلا يشترط حضرة صاحبه.