وما يتصل بها هذا الفصل يشتمل على أنواع أيضاً: نوع منه في دعوى النكاح وإقامة البينة عليه.
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : رجل ادى على امرأة نكاحاً، وأقام على ذلك بيّنة وأقامت أخت المرأة على هذا الرجل بينة أنها امرأته، وأنه تزوجها، فالبينة بينة الزوج، لأن الزوج ببنيته يثبت لنفسه ملك المتعة التي هي أصل في باب النكاح، والأخت ببنيتها تُثبت لنفسها ملك المهر الذي هو تبع في باب النكاح، إنما ملك المتعة يثبت عليها لعبرة ولا شك أن الأصل أقوى من التبع فكانت بيّنة الزوج أكثر إثباتاً فكانت أولى بالقبول، وإذا قضى ببينة الزوج بطل نكاح الأخرى ولا يقضي للأخرى بالمهر إن لم يكن الزوج دخل بها، وهذا كله إذا لم تؤرخ البينتان أو أرخ وتاريخهما على السواء، أما إذا كان تاريخ أحدهما أسبق يجب القضاء ببينة من كان أسبق تاريخاً، ويفسد نكاح الأخرى اعتباراً للثابت بالبينة بالثابت معاينة. وفي «المنتقى» عن أبي حنيفة رحمه الله: لو وقتت بينة المرأة ولم توقت بيّنة الرجل، فدعوى الرجل جائزة، ويثبت نكاح المرأة التي ادعاها فيبطل نكاح المدعية.
قال في «الأصل» : وإن شهد شهود الزوج أنه تزوج إحداهما ولا تعرف بعينها غير أن الزوج يقول: هي هذه، فإن صدقته المرأة فهي امرأته ويحكم بصداقها، وإن جحدت فلا نكاح بينه وبين واحدة منهما؛ لأن الشهود لم يشهدوا على نكاح امرأة بعينها إنما شهدوا على نكاح إحداهما، ونكاح إحداهما مجهول، والشهادة بالمجهول لا تكون حجة فبقي دعوى الزوج، وبمجرد دعوى الزوج لا يَثبت النكاح، ولا يمين للزوج على التي يدعى عليها النكاح عند أبي حنيفة رحمه الله، والمسألة معروفة فلا مهر عليه إن لم يكن دخل.
وكذلك لو شهد شهود امرأة أنه تزوجها أحد هذين الرجلين ولا يعرف بعينه غير أن المرأة تقول: هو هذا، فإن صدقه ذلك الرجل فهي امرأته وإن كذبه فلا نكاح بينهما وبين واحد منهما، ولا مهر على واحد منهما ولا يمين لها عليه في قول أبي حنيفة رحمه الله، وإن كانت ادعت أنه طلقها قبل الدخول بها وأن لها عليه نصف (المهر) يستحلف على نصف المهر.
وكذلك لو ادعت أنه طلقها بعد الدخول بها، وأن لها عليه جميع المهر يستحلف على جميع المهر؛ لأن الدعوى الآن وتقع في المال، وإذا نكل قضي بالمهر ولا يقضى بالنكاح؛ لأن عند النكول إنما يقضى بما وقع فيه الاستحلاف، والاستحلاف وقع في المال، ألا ترى أن في دعوى السرقة إذا استحلف ونكل يقضى بالمال دون القطع كذا ها هنا.