بين أهل الفقه، أخذ بقول من هو أفقه وأورع عنده كذا هنا، لأنه بمنزلة العامي والعامي إذا استفتى في حادثة، وقد وقع الاختلاف فيما بين الفقهاء، أخذ بقول من هو أفقه عنده، كذا هنا، وإن كان القاضي شاور قوماً من أهل الفقه، فاتفقوا على شيء، ورأي القاضي بخلاف رأيهم، لا ينبغي للقاضي أن يترك رأي نفسه، ويقضي برأيهم، لأن عنده أن هؤلاء على الخطأ، ولا متابعة في الخطأ، فإن قيل: إذا كان لا يأخذ برأيهم فأي فائدة في المشورة.
قلنا: احتمال انضمام رأي غيره إلى رأيه فيقوى بذلك رأيه إلى هذا أشار عبيدة السلماني حين قال علي: اتفق رأي ورأي عمر في أمهات الأولاد، أن لا يبعن، ثم رأيت بعد ذلك أن يبعن فقال عمر رضي الله عنه: رأيك مع رأي عمر خير من رأيك وحده. أشار إلى أن عند اجتماع الرأيين يحدث زيادة قوة، وإن شاور القاضي رجلاً واحداً كفى، ولكن مشاورة الفقهاء أحوط، فإن شاور ذلك الرجل إلى شيء، ورأي القاضي بخلاف رأيه، فالقاضي لا يترك رأي نفسه، لما قلنا، فإن اتهم القاضي رأيه لما إن ذلك الرجل أفضل وافقه عنده، لم يذكر هذه المسألة ههنا.
وذكر في كتاب «الحدود» وقال: لو قضى برأي ذلك الرجل أرجو أن يكون في سعة من ذلك وإن لم يتهم القاضي رأيه، لا ينبغي له أن يترك رأي نفسه، وقضى برأي غيره لما قلنا، ولو ترك رأي نفسه وقضى برأي غيره، هل ينفذ قضاؤه؟ سيأتي الكلام فيه بعد هذا إن شاء الله تعالى.
الفصل الرابع: في اختلاف العلماء في اجتهاد الصحابة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلّم
يجب أن يعلم بأن العلماء اختلفوا في هذا الفصل على ثلاثة أقوال، منهم من قال: ما كان له أن يجتهد لأنه كان يمكنه أن يرجع إلى رسول الله عليه السلام، فيسأله فكان الاجتهاد في ذلك الزمان اجتهاداً في موضع النص وإنه باطل، ومنهم من قال: من كان بعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له الاجتهاد، ومنهم من قال: كان له الاجتهاد مطلقاً ويستدل هذا القائل بما روي عن رسول الله عليه السلام أنه قال لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: «قولا فإني فيما لم يوح إلي مثلكما» ؛ وقال عليه السلام لعمرو بن العاص:«اقض بين هذين» ، فقال علي: ماذا؟ فقال عليه السلام:«على أنك إن أصبت فلك أجران، وإن أخطأت فلك أجر واحد» .