ينافي وجوب الضمان على المأمور، وإما لأنه يتقاعد عن أمر القضاء حتى لا يلزمه الضمان عند ظهور الخطأ الذي ليس في وسعه الاحتراز عنه، فيؤدي إلى تعطيل الأحكام؛ وإنه لا يجوز، وإذا تعذر إيجاب الغرامة على القاضي أوجبناها على المقضي له، لأن القاضي عامل له فكان عمل القضاء له فيكون الغرم عليه، ليكون الغرم بمقابلة الغنم، وهذا كله إذا ظهر خطأ القاضي بالبينة أو بإقرار من المقضي له.
فأما إذا ظهر ذلك بإقرار القاضي لا يظهر ذلك في حق المقضي له، حتى لا يبطل قضاؤه في حق المقضي له، لأن حق المقضي له قد تعلق بذلك، والقاضي بما قال يريد إبطاله.
وهو نظير الشاهد إذا رجع عن شهادته لا يعمل رجوعه في حق المقضي له، لا ينقضي القضاء، ولكن الشاهد يضمن كذا هنا.
وإن أخطأ وكان ذلك في حقوق الله تعالى، بأن قضى بحد الزنا أو بحد السرقة أو بحد شرب الخمر، واستوفى القطع والرجم والحد، ثم ظهر أن الشهود عبيد أو كفار أو محدودون في القذف، فضمان ذلك في بيت المال؛ لأنه تعذر إيجاب الضمان على القاضي لما مر، وهذا القضاء كان لجماعة من المسلمين، فيكون الغرم في مالهم، وإن كان القاضي تعمد الجور فيما قضى وأقر به فالضمان في ماله في هذه الوجوه كلها، بالجناية والإتلاف على المقضي عليه، فجناية القاضي وإتلافه على الغير سبب لوجوب الضمان، ويعزر القاضي على ذلك لإرتكابه الجريمة العظيمة، قال: ويعزل عن القضاء ولم يقل وينعزل عن القضاء، فهذا إشارة إلى أن القاضي بمجرد الفسق لا ينعزل، ولكن يستحق العزل، وقد مرّ هذا في صدر الكتاب والله أعلم.
[الفصل الخامس عشر: فيما إذا وقع القضاء بشهادة الزور، ولم يعلم القاضي به]
الكلام في هذا الفصل في مواضع:
أحدها في العقود والفسوخ، وفيها اختلاف على قول أبي حنيفة وأبي يوسف الأول، قضاء القاضي في العقود والفسوخ بشهادة الزور ينفذ ظاهراً وباطناً، وعلى قول محمد وأبي يوسف الآخر ينفذ ظاهراً لا باطناً صورة المسألة، في العقود كثيرة من جملتها:
رجل ادعى على امرأة النكاح وهي تجحد، وأقام عليها شاهدي الزور، وقضى القاضي بالنكاح بينهما، حل للرجل وطؤها وللمرأة التمكين منه عند أبي حنيفة وأبي يوسف الأول، وعندهما لا يحل لهما ذلك، والوجه لأبي حنيفة أن القاضي قضى بأمر الشرع، فيجب تنفيذه ظاهراً وباطناً ما أمكن، بيان الوصف: أن دليل الأمر بالقضاء شهادة شهودهم صدقة ظاهراً كان الصدق حقيقة، فيما لا يوقف عليه، والشهود هاهنا صدقة