[الفصل الثاني: في بيان صحة الدعاوى وبيان ما يسمع منها وما لا يسمع]
يجب أن يعلم بأن الدعوى لا تخلو، إما أن تقع في العين أو في الدين، فإن وقعت في الدين فإن كان المدعى مكيلاً، فإنما تصح الدعوى إذا ذكر المدعي جنسه أنه حنطة أو شعير، وبعدما ذكر الجنس بأن ذكر أنه حنطة يذكر مع ذلك نوعها أنها سقية أو برية، أو خريفية أو ربيعية، ويذكر مع ذلك صفتها أنها جيدة أو وسطية أو رديئة، كدم سفيدة أو كندم سرخة، ويذكر وزنها بالكيل، فيقول: كذا قفيزاً، لأن المقدر في الحنطة الكيل، ويذكر بقفيز كذا؛ لأن القفزان تتفاوت في ذاتها، ويذكر سبب الوجوب؛ لأن أحكام الديون تختلف باختلاف أسبابها، فإنه إذا كان بسبب السلم يحتاج فيه إلى بيان مكان الإيفاء ليقع التحرز عن الاختلاف، ولا يجوز الاستبدال به قبل القبض، وإن كان من ثمن بيع يجوز الاستبدال به قبل القبض، ولا يشترط فيه مكان الإيفاء، وإن كان من قرض لا يجوز التأجيل فيه، بمعنى أنه لا يلزم، ويذكر في السلم سائر شرائط صحته من إعلام جنس رأس المال ونوعه وصفته وقدره بالقدر إن كان رأس المال وزنيا وإنفاذه في المجلس حتى يصح عند أبي حنيفة رضي الله عنه وأشباه ذلك على ما عرف في كتاب البيوع.
ولو قال: بسبب السلم الصحيح ولم يبين شرائط صحة السلم، كان القاضي الإمام شمس الإسلام محمود الأوزجندي يفتي بصحة الدعوى، وغيره من المشايخ كانوا لا يفتون بصحته؛ لأن للسلم شرائط كثيرة، لا يقف عليها إلا الخواص من الناس، وربما نطق المدعي صحته ولا يكون صحيحاً في نفسه.
وفي دعوى البيع إذا قال: بسبب بيع صحيح جرى بينهما في جارية قد سلمها إليه صح الدعوى بلا خلاف، إذ ليس للبيع شرائط كثيرة تخفى على العامة، وعلى هذا في كل سبب له شرائط كثيرة يشترط بيان الشرائط لصحة الدعوى عند عامة المشايخ، ولا يكتفي بقوله بسبب كذا صحيح، وإن لم يكن له شرائط كثيرة يكتفى بقوله بسبب كذا صحيح.
ويذكر في القرض القبض وصرف المستقرض ذلك إلى حاجة نفسه يصير ذلك ديناً عليه بالإجماع؛ لأن عند أبي يوسف المستقرض لا يصير ديناً في ذمة المستقرض إلا بصرفه إلى حاجة نفسه.
وكذلك يذكر في دعوى القرض أنه أقرضه كذا من مال نفسه؛ لجواز أن يكون وكيلاً في الإقراض، والوكيل في الإقراض معار ومعير، فلا يصير ذلك ديناً له في ذمة المستقرض، ولا يثبت له حق المطالبة بالأداء، وإن كان المدعى به وزنيا فإنما تصح الدعوى إذا بين الجنس بأن قال: ذهب أو فضة، فإن بين الجنس بأن قال ذهب، فإن كان مضروباً يقول: كذا ديناراً، ويذكر نوعه أنه بخاري الضرب أو نيسابوري الضرب أو ما أشبه ذلك.