حكم الإباحة ما لم يحرزه بدار الإسلام لو أتلفه مسلم لا ضمان عليه، وعندهما: أنه على العصمة كمال المستأمن، والمسألة قد مرت في كتاب السير.
ولو دخل مسلمان دار الحرب، فتبايعا ثمة درهماً بدرهمين لا يجوز؛ لأن كل واحد معصوم في حق صاحبه، فكان التمليك بالعقد، وهذا العقد فاسد.
ولو أسلم حربيان في دار الحرب وتبايعا درهماً بدرهمين، قال أبو حنيفة: كرهت ذلك لهما، ولا آمر هما بالرد.
وقال أبو يوسف ومحمد: يؤمران بالرد، والحكم في حقهما كالحكم في المستأمنين من المسلمين في دار الحرب عندهما، وأبو حنيفة يقول بالإسلام قبل الإحراز ثبتت العصمة في حق الآثام دون الأحكام، ألا ترى أن أحدهما (١٥٩ب٣) لو أتلف مال صاحبه أو نفس صاحبه لم يضمن هو آثم في ذلك، وإنما نثبت العصمة في حق الأحكام بالإحراز على ما عرف، فلثبوت العصمة في حق الآثام كره لهما هذا الصنع، ولعدم العصمة في حق الحكم قلنا لا يؤمران بالرد.
ولو أن تاجراً من المسلمين أعطى رجلاً من أهل الحرب ألف درهم نسيئة كان جائزاً؛ لأن ربا الفضل لما لم يجز بين المسلم وبين الحربي فربا النسيئة أولى.
ولو أن حربياً باع من حربي درهماً بدرهمين، ثم خرجا إلى دار الإسلام مسلمين أو ذميين أو اختصما إلى القاضي، فإن كان ذلك بعد التقابض فالقاضي لا يتعرض لذلك ولا يبطله؛ لأن الإسلام ورد والحرام بعقد المعاوضة مقبوض فيلاقيه الإسلام قال الله تعالى:{عفا الله عما سلف}(المائدة: ٩٥) وإن كان ذلك قبل التقابض لا يبطله؛ لأن الإسلام ورد والحرام يعقد المعاوضة غير مقبوض فيلاقيه الإسلام بالرد، قال الله تعالى:{وذروا ما بقي من الربا، إن كنتم مؤمنين}(البقرة: ٢٧٨) ، وقال عليه السلام:«كل ربا كان في الجاهلية فهو موضوع تحت قدمي هاتين، وأول وضعة ربا العباس بن عبد المطلب» ، وكان العباس قد أربى في كفره وأسلم قبل القبض، فوضعه رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكذلك لو عاقدا عقد الربا في دار الحرب ثم خرجا إلى دار الإسلام قبل أن يتقابضا في دار الإسلام، واختصما إلى القاضي فالقاضي يرد ذلك، فكذا إذا أربيا في دار الحرب وتقابضا في دار الإسلام؛ لأن للقبض شبهاً بابتداء العقد.
[الفصل الحادي والعشرون: في الصرف في الغصب والوديعة]
وإذا غصب رجل من آخر قلب فضة أو ذهب فاستهلكه، فعليه قيمته مصوغاً من خلاف جنسه؛ لأنه تعذر تضمينه بمثلاً؛ لأن القلب ليس من ذوات الأمثال، وتعذر تضمينه من غير جنسه غير مصوغ؛ لأنه يؤدي إلى إبطال حق المغصوب منه في الصنعة والجودة، وتعذر تضمينه من جنسه مصوغاً؛ لأنه يؤدي إلى الربا؛ لأنه يصل إلى صاحب القلب مثل وزن القلب وزيادة، فإذا تعذر تضمينه بهذه الوجوه تعين تضمينه مصوغاً من