الفقير مائتين أو أكثر عن زكاتهم أليس أنه يجوز؟ كذا ههنا، وهذا إذا لم يخلط أموالهم، فإذا خلط أموالهم، فهو ضامن، ولا يجوز لهم من زكاتهم لما يأتي في المسألة التي تلي هذه المسألة.
وفي «الفتاوى» : إذا دفع رجلان إلى رجل كل واحد منهما دراهم ليتصدق بها عن زكاة ماله، فخلط الدراهم قبل الدفع، ثم دفع، فهو ضامن، وكذلك المتولي إذا كان في يده أوقاف مختلفة، وخلط غلاتها صار ضامناً لها، وكذا السمسار إذ خلط غلات الناس وأثمانها، وكذلك البائع إذا خلط من أمتعة الناس، والحاصل أن الخلط سبب الضمان؛ لأنه استهلاك إلا في موضع جرت العادة والعرف ظاهراً بالإذن بالخلط.
إذا وجبت الزكاة على رجل، وهو لا يؤديها لا يحل للفقير أن يأخذ من ماله بغير علمه، وإن أخذ كان له أن يسترد إن كان قائماً، وإن كان هالكاً يضمن؛ لأن الحق ليس لهذا الفقير بعينه.
ولو كان عند رجل أربعمائة درهم، فظن أن عنده خمسمائة درهم فأدى زكاة خمسمائة درهم. (١٤٠ب١) ثم ظهر أن عنده أربعمائة، فله أن يحتسب الزيادة للسنة الثانية، لأنه أمكن أن يعجل الزيادة تعجلاً، ولو مر بأصحاب الصدقات، فأخذوا منه كثيراً مما عليه ظناً منهم أن ذلك عليه لما أن ماله أكثر يحتسب الزيادة للسنة الثانية؛ لأنهم أخذوا ذلك بجهة الزكاة، وإن علموا مقدار ماله، وأخذوا الزيادة منه جوراً، لا يحتسب؛ لأنهم أخذوا الزيادة غصباً.
ولو شك رجل في الزكاة، فلم يدرأزكى، أو لم يزكِ، فإنه يعيدها، فرق بين الزكاة وبين الصلاة، فإنه إذا شك في الصلاة بعد ذهاب الوقت أنه صلاها، أو لم يصلها، فإنه لا يعيدها، ولا فرق في المعنى؛ لأن العمر كله وقت أداء الزكاة، فصار الشك فيها بمنزلة شك وقع في الصلاة في الوقت أنه أدى، أو لم يؤد، وهناك يؤمر بالإعادة، فههنا كذلك، والله أعلم.
[الفصل العاشر في بيان ما يمنع وجوب الزكاة]
فنقول: ما يمنع وجوب الزكاة أنواع، منها الذي قال أصحابنا رحمهم الله: كل دين له مطالب من جهة العباد يمنع وجوب الزكاة، سواء كان الدين للعباد، أو لله تعالى كدين الزكاة.
فأما الكلام في دين العباد، فنقول: إنما منع وجوب الزكاة؛ لأن ملك المديون في القدر المشغول بالدين ناقص، ألا ترى أنه يستحق أخذه من غير مضار لا رضا، كأنه في يده غصب أو وديعة؟ ولهذا حلت له الصدقة، ولا يجب عليه الحج، والملك الناقص لا يصلح سبباً لوجوب الزكاة.