[الفصل السادس والعشرون في دخول النساء الحمام، وفي ركوبهن على السروج]
ذكر محمد رحمه الله في «السير الكبير» عن عمر بن عبد العزيز: أنه كتب أن لا يدخل الحمام امرأة إلا نفساء أو مريضة، ولا تركب امرأة مسلمة على سرج، قوله: لا يدخل الحمام امرأة نهي على سبيل العموم، ولكن بصيغة الخبر، وقوله: إلا نفساء أو مريضة استثناءٌ لحالة العذر، ولا خلاف لأحد في إباحة الدخول لهن بهذه الأعذار.
أما بعذر المرض فإن للحمام أثراً في إزالة بعض الأمراض، فكان يشبه التداوي بسائر المداواة، وقد أبيح لها في حالة العذر ما هو أشد من هذا، وهو كشف العورة للتداوي.
وأما بعذر النفاس فلأنه نوع مرض، وقاس بعض مشايخنا الحيض على النفاس من حيث إنه مرض كالنفاس.
وأما دخولهن الحمام بغير هذه الأعذار، فقد اختلف المشايخ في ذلك؛ بعضهم قالوا: لا يباح، وإليه مال شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده، ويستدل بهذا القائل بعموم قوله: لا يدخل الحمام امرأة، ويستدل أيضاً بامتناع محمد رحمه الله عن ردّ هذا الحديث عند ذكره، فإنه لم يقل: ولا نأخذ به، فدل أن ذلك قوله، ويؤيد ذلك قوله عليه السلام:«أيما امرأة وضعت جلبابها في غير بيت زوجها، فعليها لعنة الله والملائكة، والناس أجمعين» ولما دخلت نساء ... على عائشة رضي الله عنها قالت: أنتن من اللاتي يدخلن الحمام؟ فقلن: نعم، فأمرت بإخراجهن وغسل موضع جلوسهن.
وبعضهم قالوا: يباح إذا خرجت بإذن زوجها متعففة واتزرت حين دخلت الحمام، وإليه مال شمس الأئمة السرخسي؛ وهذا لأن دخول الحمام إما لأجل الزينة، وهو بالنساء أليق منه بالرجال، أو للحاجة إلى الاغتسال، وحاجة المرأة إلى الحمام لذلك أشد من حاجة الرجال؛ لأن أسباب الاغتسال في حقهن أكثر، وهي لا تتمكن من الاغتسال في الحياض والأنهار، والرجل يتمكن من ذلك، فالإباحة في حق الرجل تدل على الإباحة في حق المرأة من طريق الأولى، فتأويل الأحاديث في التي تخرج بغير إذن الزوج غير متعففة.
وقوله: ولا تركب امرأة مسلمة على سرج بظاهره، نهى النساء عن الركوب على السرج، وبه نقول وإنه خرج موافقاً لقوله عليه السلام:«لعن الله الفروج على السروج»