الإسلام في «شرحه» ، وعصام في «مختصره» ؛ لأن المصر في سائر أطرافه كمكان واحد حكماً، وذكر الخصاف في «أدب القاضي» إذا اختار على الأقرب، وترك الطلب تبطل شفعته، وهكذا ذكر الصدر الشهيد في «واقعاته» .
وإن كانوا في مصرين، أو في أمصار، فإن كان أحد هذه الأشياء مع الشفيع في مصر واحد، فتركه وذهب إلى مصر آخر بطلت شفعته، وإن كان الشفيع في مصر على حده، والمشتري والبائع والدار كل واحد في مصر على حده، فيترك الأقرب، ويذهب إلى الأبعد، فقد اختلف المشايخ فيه، بعضهم قالوا: تبطل شفعته، وهكذا ذكر عصام في «مختصره» وقال بعضهم: لا تبطل شفعته، وهكذا ذكر الناطفي في «أجناسه» ؛ وهذا لأن الشفيع قد لا يقدر على الذهاب إلى الأقرب بسبب من الأسباب، فلا يكون بالذهاب إلى الأبعد مبطلاً شفعته، وعلى هذا إذا كان إلى الأقرب طريقان، فترك الطريق الأقرب، وذهب في الطريق الأبعد، فعلى قياس ما ذكره عصام يبطل شفعته، وعلى قياس ما ذكره الناطفي لا يبطل شفعته، ثم إذا حضر المصر الذي فيه الأقرب يشترط لصحة الطلب أن يكون الطلب بحضرة ذلك الشيء الدار، والبائع والمشتري في ذلك على السواء هو المعروف والمشهور.
وكان القاضي الإمام أبو زيد الكبير يفرق بين الدار، وبين البائع والمشتري، وكان يقول: في البائع والمشتري يشترط الطلب بحضرته، وفي الدار لا يشترط الطلب بحضرته، بل إذا طلب وأشهد من غير تأخير في أي مكان أشهد من المصر الذي الدار فيه يصح الطلب، وكان يقول: إليه أشار محمد رحمه الله في باب شفعة أهل البغي، وعلى هذا إذا كان الدار في مصر الشفيع لا يشترط الطلب عند حضرة الدار على ما اختاره القاضي الإمام، ولو كان البائع والمشتري في مصر الشفيع يشترط الطلب عند حضرته بالاتفاق.
[محضر ورد في دعوى الرجوع بثمن الأتان عند ورود الاستحقاق]
صورته: رجل حضر مجلس قضاء بخارى يسمى حيدر الحميري، وأحضر مع نفسه رجلاً يسمى عثمان الحميري، فادعى هذا الذي حضر على هذا الذي أحضره معه أنه باع مني أتاناً تامة الجثة بكذا درهماً في شهر كذا من سنة كذا، وأني اشتريتها منه، وجرى التقابض بيننا، ثم إني بعت هذه الأتان من أحمد بن فلان بثمن معلوم، وأنه اشتراها مني بذلك الثمن، وجرى التقابض بيننا، ثم إن أحمد باع هذه الأتان من الدهقان علي بن فلان، ثم إن زيداً استحق هذه الأتان من يد الدهقان علي بن فلان في مجلس قضاء كورة نسف بين يدي الشيخ القاضي الإمام معين الدين، والقاضي معين الدين هذا يومئذ قاضي كورة نسف ونواحيها من جهة القاضي الإمام علاء الدين عمر بن عثمان المتولي لعمل القضاء، والأحكام بكورة سمرقند، وبأكثر كور المملكة بما وراء النهر بالبينة العادلة التي قامت بها عنده، وجرى الحكم له منه عليه بها، وأخرجها من يده، وسلمها إلى هذا المستحق.