يجب أن يعلم بأن دعوى الغلط في القسمة نوعان: دعوى الغلط في التقويم، ودعوى الغلط في مقدار الواجب بالقسمة، فأما دعوى الغلط في القسمة فهو نوعان أيضاً: نوع يصح، ونوع لا يصح، والذي لا يصح أن يدعي أحد المتقاسمين الغلط في التقويم بغبن يسير بأن (١٠أ٤) كان ما يدعي من الغلط يدخل تحت تقويم المتقومين، فهذه الدعوى لا تصح، ولو أقام البينة عليه لا تسمع بينته، حصلت القسمة بقضاء القاضي أو بتراضيهم لوجهين:
أحدهما: أن الاحتراز عن مثل هذا الغلط غير ممكن.
والثاني: أنه يؤدي إلى مالا يتناهى؛ لأنه يمكنه أن يدعي مثل ذلك في القسمة الثانية والثالثة، والذي يصح أن يدعي أحد المتقاسمين الغلط في التقويم بغبن فاحش، بأن كان ما يدعى من مقدار الغلط لا يدخل تحت تقويم المقومين، وإنه صحيح إن حصلت القسمة بقضاء القاضي؛ لأنا لو سمعنا هذه الدعوى ونقصنا هذه القسمة لا يؤدي إلى ما لا يتناهى؛ لأنه لا يقع مثل هذا الغبن في القسمة الثانية؛ لأنه يتصور التقويم في المرة الثانية على وجه لا يتحقق فيها الغبن الفاحش، وإن حصلت القسمة بالتراضي لم يذكر محمد رحمه الله هذا الفصل في «الكتاب» .
وحكي عن الفقيه أبي جعفر الهندواني رحمه الله: أنه كان يقول: لقائل أن يقول: لا تسمع هذه الدعوى؛ لأن القسمة في معنى البيع ودعوى الغبن في البيع من المالك لا يصح؛ لأنه لا فائدة فيه، فإن البيع من المالك لا ينقض بالغبن الفاحش.
أما البيع من غير المالك ينقض بالغبن الفاحش كبيع الأب والوصي، ولقائل أن يقول: تسمع هذه الدعوى؛ لأن المعادلة شرط في القسمة، والتعديل في الأشياء المتقاربة يكون من حيث القيمة، فإذا ظهر في القيمة غبن فاحش فما هو شرط جواز القسمة، فاسد فيجب نقضها فكان الدعوى مفيداً من هذا الوجه فيصح.
والصدر الشهيد حسام الدين رحمه الله، كان يأخذ بالقول الأول، وبعض مشايخ عصره كانوا يأخذون بالقول الثاني، وذكر القاضي الإمام الإسبيجابي في «شرح أدب القاضي» : أن دعوى الغبن بعد القسمة غير صحيح إذا كانت القسمة بالتراضي، قال: وبعض المشايخ قالوا: تسمع كما لو كانت القسمة بقضاء القاضي، وذكر في شرح الإسبيجابي دقيقة في هذا الفصل، فقال: وهذا كله إذا لم يقر كل واحد منهما بالاستيفاء، فأما إذا أقر بذلك لا تسمع دعوى الغلط والغبن من واحد منهما بعد ذلك، إنما تسمع دعوى الغصب.
وأما دعوى الغلط في مقدار الواجب بالقسمة فنوعان أيضاً: نوع يوجب التحالف، ونوع لا يوجب التحالف.