غير أن مطلق المال ليس بسبب، إنما السبب المال النامي؛ لأن الزكاة وجبت بطريق التيسير بأداء عن نماء، ولهذا لم يجب القليل في القليل ولا الكثير في الكثير، ولم يجب مالاً بل وجب القليل في الكثير، ووجب مؤجلاً لا حالاً، وحتى التيسير إنما يتحقق بالأداء من نماء المال حتى يؤدي من عليه الواجب من النماء، ويبقى له أصل المال، غير أن طريق النماء في الحيوانات النسل، وفيما عداها من الأموال التجارة.
غير أنه يسقط اعتبار حقيقة النماء، فإنه أمر خفي تتفاوت فيه أحوال الناس، فأقيم الإسامة به حولاً في الحيوانات مقام حصول النسل؛ لأنه زمان النسل عادة، وأقيم الإمساك بنية التجارة حولاً في غيرها من الأموال سوى الأثمان مقام حصول النماء؛ لأنه زمان حصول النماء عادة، إنما فعلنا ذلك دفعاً للحرج عن الناس والله أعلم.
[الفصل الثالث في بيان مال الزكاة]
فنقول: مال الزكاة الأثمان، وهو: الذهب والفضة وأشباهها، والسوائم وعروض التجارة فنعتبر ذلك نوع نذكر فيه مسائله والأحكام المتعلقة به، فنبدأ ببيان أحكام الذهب والفضة وأشباهها، لأن الحاجة إلى معرفة ذلك أمسّ فنقول:
الزكاة واجبة في الذهب والفضة، مضروبة كانت أو غير مضروبة، نوى التجارة أو، لا إذا بلغت الفضة مائتي درهم، والذهب عشرين مثقالاً، وإذا نقص نقصاناً لا يسيراً يدخل بين الوزنين لا تجب الزكاة إن كان كاملاً في حق غيره، هكذا ذكر القدوري في «كتابه» ، وهذا لأن الزكاة إنما تجب على المال، فيعتبر كمال النصاب في حقه، فإذا كان ناقصاً في حقه لا تجب الزكاة.
والمعتبر في الدراهم وزن سبعة، وهو أن تكون كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل على ما يزن الناس اليوم كما جرى التقدير في ديوان عمر رضي الله عنه، وقيل في تفسير وزن سبعة ما ينقص كل مائة منها سبعة مثاقيل، وعلى هذا القول وزن خمسة ما ينقص كل مائة منها خمس مثاقيل، والأصح هو التفسير الأول.
وأصل ذلك ما حكى الفقيه أبو الليث رحمه الله في «فتاويه» في آخر باب الصلح أن الدراهم على عهد عمر رضي الله عنه كانت على ثلاثة أنواع: نوع اثنا عشر قيراطاً، ونوع عشرون قيراطاً، ونوع عشر قراريط، وكان الدينار على نوع واحد وهو عشرون قيراطاً.
وكان يقع بين الناس الخصومة في مبايعاتهم بالدراهم. فشاور أصحابه في ذلك، فقيل له: خذ من كل نوع ثلثه وأخذ عمر رضي الله عنه ثلث العشرة وثلث اثنا عشر وثلث العشرين، فبلغ ذلك أربعة عشر قيراطاً، فجعل وزن الدراهم أربعة عشر قيراطاً وقدر وزن الدنانير على حالها، فبلغ وزن عشرة دراهم مائة وأربعين قيراطاً كل درهم أربعة عشر، وهو وزن سبعة دنانير كل دينار عشرون قيراطاً، وهذا هو تفسير وزن السبعة في الدراهم.