قال: وإن ادعى القيم أو الوصي أن القاضي المعزول أجرى له مشاهرة في كل شهر كذا وكذا، في كل سنة كذا وكذا، وصدقه القاضي المعزول في ذلك، أو لم يصدقه، فالقاضي لا ينفذ ذلك؛ لأن مجرد الدعوى ليس بحجة، وكذلك قول القاضي المعزول في الحال ليس بحجة، فإن قامت له بينة على فعل القاضي في حال قضائه قبلت، وأنفذ القاضي المقلد ذلك، لأن للقاضي ولاية تقدير كفايته، وأجراها له في مال اليتيم والوقف، فهذه البينة قامت على إثبات فعل القاضي المعزول في حال قضائه، وفيما هو داخل تحت ولايته، وقوله في حال قضائه فيما هو داخل تحت ولايته مقبول، فهذه البينة قامت على ما هو حجة، فقبلت.
بعد هذا القاضي المقلد ينظر في ذلك إن كان ذلك مقدار أجر عمله أو دونه أنفذ ذلك كله، وإن كان أكثر أنفذ مقدار أجر مثل عمله، وأبطل الزيادة؛ لأنه لم يكن للقاضي المعزول أن يزيد على أجر مثل عمله، فلا يكون للمقلد تنفيذ الزيادة.
وإن كان القيم قد استوفى الزيادة، أمره القاضي بالرد علي اليتيم؛ لأنه استوفى ما ليس له ذلك، قال في «الأصل» : وما وجد في ديوان القاضي المعزول من شهادة، أو قضاء أو إقرار، فهو باطل لا يعمل به القاضي المقلد، إلا أن يقوم بينة أنه قضى به وأنفذه، وهو قاض يومئذ؛ لأن القاضي الثاني لا يعلم حقيقة شيء من ذلك، فلا بد من طريق يقع العلم له بحقيقة تلك البينة، ويشرط أن يشهدوا أنه قضى به، وهو يومئذ قاض لجواز أنه قضى به بعد العزل، وقضاؤه بعد العزل باطل.
[الفصل التاسع عشر: في القضاء في المجتهدات]
قال في «أدب القاضي» : وما اختلف فيه القضاة، وقضى فيه قاض بقضية ثم رجع إلى قاض آخر، يرى خلاف ذلك أمضى قضاء الأول ولا ينقضه، ولو نقضه كان باطلاً، والأصل فيه: ما روي أنه لما انتهت الخلافة إلي علي رضي الله عنه رفع إليه قضايا عمر وقضايا عثمان رضى الله عنهما، وطلب منه نقضها، لما أن رأي علي رضى الله عنه في تلك القضايا كان بخلاف ذلك، فلم ينقض علي رضى الله عنه شيئاً من ذلك، وحين قدم الكوفة قام خطيباً وقال: إني لم أقدم عليكم لأحل عقدة عقدها عمر، أو لأعقد عقدة حلها عمر رضي الله عنه، والمعنى في ذلك أن قضاء القاضي في موضع الاجتهاد نافد بالإجماع، فكان القضاء الثاني ينقض الأول مخالفاً للإجماع، ومخالفة الإجماع ضلال وباطل؛ ولأن القضاء إذا جعل في محل الاجتهاد، فقد يرجح الجانب الذي اتصل به القضاء بالقضاء، فلا يعارض من الجانب الآخر؛ ولأنه لو جاز للثاني نقض الأول يجوز للثالث نقض الثاني إذا كان رأيه بخلافه، وكذا للرابع والخامس إلى ما لا يتناهى وليس في أحكام الله تعالى ما لا يتناهى.