للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الثامن: في الحط عن بدل الصرف والزيادة فيه]

قال محمد رحمه الله: وإذا اشترى الرجل سيفاً محلى بمئة درهم وحلية السيف خمسون وتقابضا، ثم إن بائع السيف حط عن ثمنه درهماً فهو جائز؛ لأن الحط تعلق بأصل العقد، ويخرج ذلك المحطوط من أن يكون ثمناً مكانه من الابتداء، وباع السيف بتسعة وتسعين درهماً، فيكون بمقابلة الحلية مثل وزنها والباقي بمقابلة السيف.

ولو أن رجلاً ابتاع من رجل قلب فضة فيه عشرة دراهم بعشرة دراهم وتقابضا، ثم إن بائع القلب حط عن ثمنه درهماً، وقبل المشتري وقبض الدراهم المحطوط من البائع فسد البيع كله في قول أبي حنيفة، وقول أبي يوسف ومحمد: الحط باطل، غير أن عند أبي يوسف لا يصير المحطوط هبة مبتدأ حق كان على مشتري القلب أن يرد الدرهم على بائعه والعقد الأول صحيح، وفي قول محمد: يصير ذلك هبة مبتدأة حتى كان للمشتري أن يمتنع عن تسليم الدراهم إلى البائع.

وجه قول أبي يوسف ومحمد في بطلان الحط: أن الحط لو صح لبطل من حيث صح.

بيانه: أن الحط لو صح التحق بأصل العقد فيصير العقد فاسداً من الأصل لمكان الربا، وإذا فسد العقد من الأصل، فهو معنى قولنا: أنه لو صح العقد لبطل من حيث صح فلا يصح بهذا الطريق.

قلنا: أنه إذا حط جميع الثمن لا يصح حتى لا يفسد العقد؛ لأنه لو صح لبطل من حيث صح؛ لأنه يلتحق بأصل العقد ويبقى العقد بلا ثمن فلا يصح من الابتداء كذلك ههنا.

فبعد هذا قال محمد رحمه الله: يجعل المحطوط هبة مبتدأة؛ لأن الحط لو صح حقيقة أفاد معنى الهبة وهو التمليك بغير عوض فعند تعذر تصحيحه بحقيقته يجعل كناية عن الهبة صيانة للتصرف عن الإلغاء وأبو يوسف لا يجعله هبة مبتدأة؛ إذ ليس في الحط معنى الهبة؛ لأن الهبة إيجاب ملك مبتدأ، والحط إخراج المحطوط عن الإيجاب وليس فيه إيجاب ملك مبتدأ.

وأبو حنيفة يقول: إن تعذر تصحيح الحط بحقيقته؛ لأنه لو صح لبطل من حيث صح أمكن أن يجعل مجازاً عن إنشاء العقد بما وراء المحطوط.

بيان هذا الكلام: أن في الموضع الذي صح الحط حقيقة بأن لم يكن ثمة ربا كان من حكمه أن يصير العقد الموجود بما وراء المحطوط من الأصل، فعند تعذر العمل بالحقيقة نجعل الحط كناية عن إنشاء العقد بما وراء المحطوط كأن البائع، قال لمشتري القلب ثانياً: بعتك هذا القلب بتسعة دراهم وقبل المشتري، وهناك ينفسخ العقد الأول

<<  <  ج: ص:  >  >>