ويستوي في حق هذا الحكم أن يكون الزوج صحيحاً أو مريضاً عند أبي حنيفة رحمه الله: لأن الزوج لم يصر فاراً، فإنه لم يطلقها، وإنما وقع الطلاق بقضاء القاضي بالطلاق قبل الدخول بها، ولو طلقها الزوج بنفسه قبل الدخول بها فلا يصير فاراً، فإذا طلقها القاضي أولى، وإذا لم يوجد من الزوج الفرار لا يكون لها الميراث ما لم يكن النكاح قائماً عند موت الزوج، والنكاح قد ارتفع قبل موت الزوج بالطلاق الواقع.
ثم عند أبي حنيفة وأبي يوسف إذا لم يكن لها الميراث لم يغرم الشاهدان نصيبها من الميراث وإن أبطلا عليها النكاح الذي هو سبب الميراث، لأنهما إنما أبطلا النكاح حال حياة الزوج، والنكاح حال حياة الزوج ليس بسبب الإرث، فما أبطلا عليها ما هو سبب الإرث فلا يضمنان لذلك، هذا إذا شهدا بذلك حال حياة الزوج.
فأما إذا شهدا بذلك بعد موت الزوج والباقي بحاله ضمنا لها نصف الصداق، لأن صداقها تأكد كله بموت الزوج ظاهراً، فهما بشهادتهما أبرأا الزوج عن نصف المهر، فصارا متلفين ذلك عليها فغرما لها ذلك، ويغرمان لها حصتها من الميراث، لأن الميراث صار حقاً لها بموت الزوج من حيث الظاهر، فهما بشهادتهما أتلفا عليها الميراث بغير حق، فيضمنان ذلك عند الرجوع، بخلاف المسألة الأول، فإن في المسألة الأولى لم يتلفا عليها الميراث؛ لأنها لم تستحق بعد، لم يتلفا عليها أيضاً ما هو سبب الإرث على ما مر، فلهذا لا يضمنان لها شيئاً ولا يضمنان للورثة شيئاً في هذه المسألة؛ لأنهما ما أتلفا على الزوج شيئاً بل أبرأاه عن نصف المهر.
[الفصل الخامس: في الرجوع عن الشهادة في النكاح والطلاق والدخول]
وإذا شهد رجل وامرأتان على طلاق امرأة، وشهد رجل وامرأتان على دخوله بها، وقضى القاضي بالطلاق والصداق، ثم رجعوا جميعاً عن شهادتهم، فإن على شاهدي الدخول ثلاثة أرباع المهر، وعلى شاهدي الطلاق ربع المهر، لأن شاهدي الطلاق شهدا بنصف المهر وقد شهد بهذا النصف شهود الدخول أيضاً؛ لأنهما شهدا بجميع المهر فكانا شاهدين بهذا النصف، وعند الرجوع ضمان هذا النصف عليهما على كل فريق نصفه وهو ربع الكل، وقد تفرد شاهد الدخول بالشهادة بنصف المهر، فكان ضمان ذلك النصف عليهما خاصة، فكان على شاهدي (١٦١أ٤) الدخول ثلاثة أرباع المهر من هذا الوجه.t
فإن قيل: كيف يجب الضمان على الفريقين وإنهم بشهادتهم ما أوجبوا المهر ابتداءً بل أبقوا ما كان عليه بعقد النكاح؟.
قلنا: لأن هذا الإبقاء كان بعد وجود سبب السقوط، بيانه: أن من زعم الشهود عند الرجوع أن الفرقة ما كانت من قبل الزوج بل من قبل القاضي، والفرقة الجائية لا من جهة الزوج توجب سقوط كل الصداق، كما لو ارتدت قبل الدخول بها، فلولا شهادتهم