فوضعها في الحقيبة؛ قال: لا يضمن وضع الكتاب في يد متوسط، وأمره بأن يسلم الصك إلى غريمه؛ إن دفع الدراهم إليه قبل مضي ثلاثة أشهر، فلم يدفع إليه إلا بعد مضي سنة فجاء الطالب يريد أن يسترد الصك منه؛ قال: إن علم إيفاء حقه قبل المدة أو بعدها؛ يدفع المتوسط الصك إلى المطلوب دون الطالب.
وقال محمد رحمه الله: في ثلاثة نفر أودعوا رجلاً مالاً، وقالوا: لا تدفع إلى أحد منا حتى نجتمع، فدفع نصيب واحد منهم إليه، قال: ضمن قياساً وبه أخذ أبو حنيفة رضي الله عنهم، ولم يضمن استحساناً، وبه أخذ أبو يوسف رحمه الله.
الفصل الرابع فيما يكون تضييعاً للوديعة، وما لا يكون، ومايضمن به المودع، وما لا يضمن
إذا قال المودع: سقطت الوديعة مني أو قال بالفارسية: «بينتاد ازمز» لا يضمن، ولو قال: أسقطت، أو قال بالفارسية:«بيكندم» يضمن؛ هكذا ذكر الفقيه أبو الليث في «فتاويه» ، وينبغي أن لا يضمن بمجرد قوله:«بيكندم» ، أو أسقطت؛ لأن نفس الإسقاط ليس يصلح موجباً للضمان.
ألا ترى أنه لو سقط ثم رفع، أو لم يرفع، ولكن لم يبرح عن ذلك المكان لا يضمن؛ إنما يضمن بالإسقاط، والذهاب عن ذلك الموضع والترك هناك والإسقاط في موضع يضيع كما في الماء، ونحو ذلك يكون ذلك تضييعاً، والذي يؤيد هذا الإشكال أن المودع إذا دفع الوديعة إلى من ليس في عياله، وهلكت الوديعة في يد الثاني قبل أن يفارقه الأول، فإنه لا يضمن الأول بلا خلاف، وإنما يجب عليه الضمان؛ لأن مجرد الإيداع ليس بتضييع، وإنما التضييع الذهاب وترك الحفظ، ولم يوجد بعد. والذي يؤيده أيضاً ما ذكر في «المنتقى» : إذا قال الرجل لقوم: اشهدوا أن فلاناً أودعني كذا وكذا، وإني قد بعت ذلك، وقبضت ثمنه، أو قال له المودع: ما فعلت بوديعتي؟ فقال: بعتها، وقبضت الثمن؛ لا يضمن بذلك ما لم يقل: دفعتها؛ لأن مجرد البيع ليس سبباً للضمان، فكذلك في مسألتنا ينبغي أن لا يجب الضمان بمجرد قوله أسقطت، بل يشترط مع ذلك أن يقول: أسقطت وتركت، أو يقول: أسقطت وذهبت، أو يقول: أسقطت في الماء، أو ما أشبه ذلك.
وفي «فتاوى أبي الليث» : سوقي قام من حانوته إلى الصلاة، وفي حانوته ودائع، فضاع شيء منها لا ضمان عليه؛ لأنه غير مضيع لما في حانوته؛ لأن جيرانه يحفظون هذا إيداعاً من الجيران؛ ليقال: ليس للمودع أن يودع؛ لكن بهذا مودع لم يضيع، وذكر الصدر الشهيد في آخر كتاب الغصب مسألة تدل على الضمان ههنا فتأمل عند الفتوى.
وفي «فتاوى أبي الليث» ولو أن المودع (١٢٧أ٢) قال: وضعت الوديعة من يدي،