فإن البينة الأخرى لم تقبل لعدم شرط قبولها وهو الإنكار، والعتق في الصحة ينفذ من جميع المال، وإنما عتق الآخر بإقرار الوارث، وقد أقروا بعتقه في المرض، فيكون من ثلث مال الميت، وقد خرج العبد الأول من أن يكون مال الميت حتى قضى بعتقه في الصحة، فيعتبر ثلث ماله فيما سواه لنفاذ العتق فيه، حتى إن العبد المقر له يعتق ثلثه مجاناً ويسعى في ثلثي قيمته.
قال: ولو أقام رجل البينة أن هذا الرجل قتل أباه منذ عشرين سنة، فأقامت امرأة البينة أنه تزوجها منذ خمس عشرة سنة، وأن هؤلاء ولده منها، استحسن أبو حنيفة رحمه الله في هذا أن أجاز بينة المرأة، وأثبت النسب وأبطل بينة الابن على القتل، والقياس: أن يقضي ببينة القتل، وقد مر هذا من قبل.
وجه الاستحسان: أن الحكم بثبوت النسب لا يتصور نقضه، وإنه بعدما حكم به لا يبطل حكمه بالإبراء وغيره، ولا يعمل فيه التكذيب بخلاف القتل، فإن حكمه يبطل بالعفو وما أشبهه، وكذلك بتكذيب الولي ينتقض الحكم.
وإذا ثبت هذا فنقول: النسب قد ثبت بنفس هذه الشهادة؛ لأنه يثبت بالشهرة عند الناس ولا يفتقر ثبوته عند الناس إلى قضاء القاضي، حتى حل لهم الشهادة بنسبه بمجرد السماع، فلو قبلنا بينة القتل لنقضنا النسب بعد ثبوته وإنه لا يجوز فلهذا لم تقبل بينة القتل، بخلاف ما لو لم تقم بينة على الولد، لأن النكاح مما يحتمل القطع بالطلاق وغيره، فإذا أمكن نقضه وقد قامت الحجة على انتقاض النكاح، وهو بينة القتل في وقت قبل وقت النكاح، قضي ببينة القتل وبطلب بينة النكاح لهذا، والله أعلم بالصواب.g
[الفصل الثامن عشر: في ترجيح إحدى البينتين على الأخرى والعمل بالبينتين المضادتين]
بشر عن أبي يوسف رحمهما الله: رجلان شهدا على رجل أنه وكل فلاناً ببيع هذا الشيء وشهد آخران على الوكيل ببيعه ووقتوا أو لم يوقتوا، فالبيع باطل إلا أن يوقت بينة البيع وقتاً بعد وقت الوكالة، فلو أن الموكل أخرج الوكيل من الوكالة وهو حاضر بشهادة شهود، فشهد شاهدان عليه بالبيع، وقد وقت بينة العزل وبينة البيع أو لم يوقتوا، فالإخراج عن الوكالة أولى في جميع ذلك، والبيع باطل إلا أن يكون وقت البيع قبل وقت الإخراج من الوكالة (١٤٤ب٤) وكذلك هذا في التوكيل بالطلاق والعتاق، وهذا كله قياس الشهادة على البراءة والشهادة على الدين، فإن الشهادة على الإبراء أولى ما لم يوقتا للدين وقتاً بعد البراءة.
ولو شهد شاهدان على النكاح وشاهدان على الطلاق فالطلاق لازم للزوج؛ لأنه إقرار من الزوج بالنكاح إلا أن يوقتوا للطلاق وقتاً قبل النكاح، فلا يجوز الطلاق، وكذلك العتاق في هذا مثل الطلاق، ما خلا خصلة واحدة: أن يكون بإقرار من المشتري