ذكر في «العيون» : رجل اغتاب أهل قرية لم يكن غيبة حتى يسمي قوماً يعدون، وفي «فتاوى أهل سمرقند» : رجل ذكر مساوىء أخيه المسلم على وجه الاهتمام فلا بأس به؛ لأن هذا ليس بغيبة، الغيبة أن يذكر ذلك مريداً البت والنقص، ولو كان الرجل يصلي ويضر الناس باليد واللسان لاغيبة في ذكره بما فيه لقوله عليه السلام:«اذكروا الفاجر بما فيه» وإن أعلم السلطان لزجره، فلا إثم عليه.
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال:«لا حسد إلا في اثنين؛ رجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه في طاعة الله، ورجل آتاه الله علماً فهو يعلمه الناس ويقضي به» الحديث بظاهره دليل على إباحة الحسد في هذين؛ لأنه استثناء من التحريم إباحة، قال شيخ الإسلام: وليس الأمر كما يقتضيه ظاهر الحديث، والحسد حرام في هذين كما هو حرام في غيرهما، وإنما معنى الحديث؛ لا ينبغي للإنسان أن يحسد غيره، ولو حسد إنما يحسد في هذين لا لكون الحسد فيهما مباحاً، بل لمعنى آخر أن الإنسان إنما يحسد غيره عادة لنعمة يراها عليه، فيتمناها لنفسه، وما عدا هذين من أمور الدنيا ليس بنعمة؛ لأن مآل ذلك سخط الله، والنعمة ما يكون مآله رضا الله تعالى، وهذان مآلهما رضا الله فهما النعمة دون ما سواهما، ثم بعض مشايخنا قالوا: الحسد المذموم أن يرى على غيره نعمة، فيتمنى زوال تلك النعمة عن ذلك الغير، وكينونتها لنفسه، أما لو تمناها لنفسه فذلك لا يسمى حسداً، بل يسمى غبطة، وكان شيخ الإسلام يقول: لو تمنى تلك النعمة بعينها لنفسه يكون حراماً ومذموماً؛ لأنه بمعنى الزوال عن ذلك الغير، والأصل فيه قول الله تعالى:{ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض}(النساء: ٣٢) ، أما إذا تمنى مثل ذلك لنفسه فلا بأس به، وذكر شمس الأئمة السرخسي في معنى الحديث أن الحسد مذموم (٩٨أ٢) بغير الحاسد إلا فيما استثني فهو محمود في ذلك، وإنه ليس بحسد على الحقيقة بل هو غبطة، والحسد أن يتمنى الحاسد أن يذهب بنعمة المحسود
عنه، ويتكلف لذلك، ويعتقد أن تلك النعمة في غير موضعها، ومعنى الغبطة أن يتمنى لنفسه مثل ذلك من غير أن يتكلف، ويتمنى ذهاب ذلك عنه، أورد محمد رحمه الله هذا الحديث في «أدب القاضي» .