في نفسه أنه لو قتل غيره يقتل، ينزجر عن قتله، فيكون حياة لهما جميعاً، وذلك موجود في اللقيط، فكان للإمام أن يستوفي القصاص، وإن شاء مال إلى الدية؛ لأنه مجتهد فيه، وليس له أن يعفو؛ لأنه نصب لاستيفاء حقوق المسلمين لا لإبطالها.
وإذا أنفق الملتقط على اللقيط من مال نفسه؛ إن أنفق بغير أمر القاضي فهو في ذلك متطوع، وإن أنفق بأمر القاضي إن كان القاضي أمره بالإنفاق على أن يكون ديناً عليه؛ فإن ظهر له أب كان للملتقط حق الرجوع على أبيه، وإن لم يظهر له أب فله حق الرجوع عليه إذا كبر، وبناءً عليه ذكر شيخ الإسلام أن في المسألة روايتان، وذكر شمس الأئمة السرخسي ووجهه: أن مطلق الأمر بالإنفاق محتمل يحتمل أن يكون للتحبب والترغيب في إتمام ما شرع فيه من التبرع، وإنما ينقطع هذا الاحتمال بالأمر على أن يكون ديناً عليه.d
وإذا بلغ اللقيط وصدق الملتقط فيما ادعى من الإنفاق عليه رجع عليه بذلك، وإن كذبه كان القول قول اللقيط، وعلى الملتقط البينة، كأنه يدعي ديناً لنفسه على اللقيط، وهو ينكر، وفي «المنتقى» : لو جعل الإمام ولاء اللقيط للملتقط جاز؛ لأنه قضاء في فصل مجتهد فيه، فإن من العلماء من قال بأن الملتقط يشبه المعتق من حيث أنه اختاره كالمعتق والله أعلم.
[الفصل الرابع في دعوى نسب اللقيط ورقه]
إذا ادعى الملتقط نسب اللقيط فالقياس أن لا تصح دعوته لمكان التناقض، فإنه زعم أنه التقط وابنه لا يكون لقيطاً، ولأن هذا إقرار على اللقيط فإنه يلزمه أحكام النسبة، والإقرار على الغير لا يصح، وفي الاستحسان: تصح دعوته؛ لأن هذا إقرار على نفسه من وجه من حيث أنه يلزمه نفقته، ويجب عليه أن يحفظه، أو إن كان إقراراً على اللقيط فهو إقرار عليه (١٠٦ب٢) بما ينفعه من كل وجه، وبالالتقاط ثبت وبهذه الولاية، وما يقول بأنه متناقض قلنا: نعم، ولكن فيما طريقه طريق الخفاء، فقد يشتبه على الإنسان حال ذلك الصغير، ويظن أنه لقيط، ثم يتبين له بعد ذلك أنه ولده، فإن ادعاه رجل آخر، فالمسألة على القياس والاستحسان أيضاً، وهذا قياس أحق؛ لأن المدعي يريد أن يأخذه من يد اللقيط، ويبطل عليه ما ثبت من الحق.
وإذا مات اللقيط، وادعى رجل أنه ابنه لا تصح دعوته، فعلى جواب الاستحسان فرق بين حالة الحياة، وبين ما بعد الموت؛ لأن في حالة الحياة إنما صحت دعوته؛ لأنه أقر بما ينفع اللقيط من كل وجه، وهو النسب، وبالموت استغنى عن النسب، ففي كلامه دعوى الميراث فلا يصدق إلا بحجة، ولو ادعى الملتقط أن اللقيط عبده لم يصدق على ذلك؛ لأنا حكمنا بحريته ظاهراً فلا يبطل ذلك لمجرد قوله.
ولو ادعى رجل أنه ابنه من امرأته هذه أو من أمته هذه وصدقته المرأة أو الأمة فهو