فوجه قول أبي يوسف أن المقبوض لو كان قائماً بعينه كان له أن يرده ويرجع بالجياد، فكذا إذا تمكن من رد مثله وعجز عن رد العين، إذ رد المثل جعل كرد العين إيفاء لحقه في الجودة ونظراً له.
وأبو حنيفة ومحمد رحمهما الله قالا: بأن المقبوض إذا كان قائماً بعينه، فأراد (رده) ينتقض القبض من الأصل ويلتحق بالعدم، فيعود حقه في الأصل فيعود في الجودة أيضاً، أما برد مثل المقبوض لا ينتقض القبض في المقبوض إذ القبض لم يرد على المثل، وبرد غير المقبوض لا ينتقض القبض في المقبوض، فلا يعود حقه في الأصل، فلو عاد في الجودة عاد ابتداءً، وحقه لا يعود في الجودة ابتداء. ولو وجد المستقرض الدراهم المستقرضة ستوقة أو رصاصاً، وباقي المسألة بحالها ردها على المقرض؛ لأن الستوقة والرصاص عروض واستقراض العروض باطل.
بعد هذا إن لم يتفرقا عن المجلس وقد نقد الدنانير واستوفى مائة جياداً في المجلس بل يتعلق بمثل المسمى في الذمة، فإذا تبين أنه لم يكن في ذمته دراهم بسبب القرض صار كأن العقد مطلق لم يضف إلى ذمة المستقرض، فلا يبطل العقد إذا قبض في المجلس، فأما إذا تفرقا عن المجلس فقد الصرف لافتراقهما عن غير قبض أحد البدلين وهو الدراهم في المجلس، فكان للمستقرض أن يسترد دنانيره وصار كرجل اشترى دراهم بدنانير وسلم الدنانير وقبض الدراهم، ثم وجدها ستوقة، إن استبدل في المجلس يصح العقد وإن افترقا عن المجلس حتى يبطل العقد برد الدنانير كذا ههنا.
ولو كان الدين على المستقرض دنانير أو فلوساً فاشتراها بدراهم، ثم وجدها زيوفاً أو نبهرجة أو ستوقة، ففي الدنانير الجواب ما ذكرنا في جميع الأحوال، وكذلك الجواب في الفلوس إذا كان زيوفاً أو نبهرجة أما إذا وجد الفلوس ستوقة وقد تفرقا بعد قبض الدراهم كان العقد جائزاً، وإن حصل الافتراق عن عين بدين ولكن في غير عقد الصرف فلا يوجب الفساد.
[الفصل الرابع والعشرون: في الاستصناع]
يجب أن يعلم أن الاستصناع جائز في كل ما جرى التعامل فيه كالقلنسوة والخف والأواني المتخذة من الصفر والنحاس وما أشبه ذلك استحساناً، ولا يجوز فيما لم يجر التعامل فيه كالثياب وما أشبهها، والقياس: أن لا يجوز الاستصناع أصلاً، وبه أخذ زفر والشافعي.n
وجه القياس في ذلك ما روي عن النبي عليه السلام:«أنه نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخص في السلم» ، وهذا بيع ما ليس عنده لا على (١٣٨أ٣) وجه السلم،