فلأن إعطاء المال لمقصود المحصول له، فيكون سفهاً والسفه حرام.
بيان هذا: أن المقصود من هذا الإعطاء أن يقضي له، فيصير المدعى به حقاً وملكاً له، وإنما يصير المدعى به حقاً وملكاً على تقدير نفاذ القضاء، وقضاء القاضي فيما ارتشى باطل لما نبين بعد هذا إن شاء الله تعالى.
قال الخصاف رحمه الله في «أدب القاضي» : فإذا قبل القاضي الرشوة، وقضى للراشي، فقضاؤه فيما ارتشى باطل، وقضاياه فيما لم يرتش نافذة، وبه أخذ شمس الأئمة السرخسيّ رحمه الله، وذكر الشيخ الإمام فخر الإسلام علي البزوديّ رحمه الله أن قضاياه باطلة فيما ارتشى وفيما لم يرتش.
واعلم بأن القاضي بأكل الرشوة يصير فاسقاً؛ لأنه آكل السحت، وإنه يوجب الفسق، والقاضي بالفسق ينعزل عند بعض مشايخ العراق، وعند بعض مشايخ العراق وعامة مشايخنا أنه لا ينعزل ولكن يستحق العزل، وقد ذكرنا هذا في صدر الكتاب.
ثم على قول بعض مشايخنا إذا انعزل لا شك أنه لا تنفذ قضاياه أصلاً لا فيما ارتشى ولا فيما لا يرتشي، وعند مشايخنا، وبعض مشايخ العراق: إذا لم ينعزل تنفذ قضاياه فيما لم يرتش بلا خلاف، وفيما ارتشى اختلفوا على نحو ما بينا، فوجه قول من قال: إنه ينفذ؛ لأنه على قضائه بعد، وجه قول من قال: لا ينفذ أنه قضى بخلاف أمر الشرع؛ لأن الشرع أمره بقضاء لا يعتاض عنه، فقضاء يعتاض عنه يكون بخلاف أمر الشرع فيكون باطلاً، حتى قالوا: لو رد الرشوة، ثم حكم ينفذ حكمه، لأنه ما اعتاض عن قضائه، وإن ارتشى ولد القاضي أو كاتبه أو من أشبههما، فإن كان ذلك بأمر القاضي ورضاه، فهذا وما لو ارتشى القاضي بنفسه سواء، وإن كان بغير أمر القاضي ورضاه نفد قضاياه، لأنه ما أعتاض عن قضائه، فلم يكن قضاؤه بخلاف أمر الشرع والله أعلم.
الفصل العاشر: في بيان ما يكون حكماً وما لا يكون حكماًوما يبطل به الحكم بعد وقوعه صحيحاً وما لا يبطل
قال مشايخنا: ينبغي للقاضي إذا أراد الحكم أن يقول للخصمين أحكم بينكما، وهذا على وجه الاحتياط، حتى إذا كان في التقليد خللاً يصير حكماً بتحكيمهما، وإذا قال القاضي: ثبت عندي أن لهذا على هذا كذا هل يكون هذا حكماً من القاضي؟ كان القاضي الإمام أبو عاصم العامري رحمه الله يفتي بأنه حكم، وهو اختيار شمس الأئمة الحلواني، واختيار الصدر الشهيد رحمهما الله، وكان القاضي الإمام شمس الإسلام محمود الأوزجندي رحمه الله يقول: لا بد وأن يقول القاضي: قضيت، أو يقول: حكمت، أو يقول: أنفذت عليك القضاء، وهكذا ذكر الناطفي في «واقعاته» ، والمذكور به: إذا ادعى رجل داراً في يدي رجل، فقال القاضي للمدعى عليه: لا أرى لك حقاً في