مسألة المؤذن والإمام على ما يأتي بيانهما بعد هذا إن شاء الله تعالى، وبعضهم قالوا: يكره، وهذا نقل عن ابن مسعود رضي الله عنه.
ونوع آخر: أن يهدي الرجل إلى رجل مالاً، لأنه سوى أمره عند ذي سلطان، فأعانه في حاجته، ولا يصرح عند الإهداء أنه إنما أهدى إليه، لأنه سوى أمره عند السلطان وهذا نوع يحل للمعطي الإعطاء؛ لأنه أنعم عليه بالنجاة من الظلم، وقد قال عليه السلام:«من أزلت عليه نعمة فليشكرها» .
هل يحل للآخذ الأخذ؟ تكلموا فيه منهم من قال: لا يحل، لأنه أقام الواجب ولا يجوز أخذ المال على إقامة الواجب.
وقد جاء عن عبد الله جعفر أنه أعان مظلوماً، وخلصه من الظلم وأهدى إليه هدية تبلغ أربعين ألف درهم، فقال عبد الله: إنما لا يأكل منه دانقاً، ومنهم من قال: يحل؛ لأن هذا برّ وصلة، وقاسوه بما ذكر محمد رحمه الله في كتاب الصّلاة أن الإمام أو المؤذن إذا جمع لهم القوم شيئاً وأعطوه من غير أن يشترط عليهم، فما أحسن هذا، فقد سمى ذلك حسناً، وإن كان يعلم أنهم إنما أعطوه بسبب الإمامة والأذان مع ذلك سماه حسناً، وجعل بمنزلة البر والصّلة لما كان الإعطاء بغير شرط كذا هاهنا.
وكان الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني رحمه الله يحكي عن أستاذه القاضي الإمام أبو علي النسفي رحمه الله: أنه ينظر في هذا إلى العمل الذي أقامه، فإن كان شيئاً لو أستأجره على ذلك يستحق الأجر بأن بعثه رسولاً إلى ظالم، فلما بلغه الرسالة أعطاه المرسل يحل له الأخذ، وما لا فلا هذا إذا لم يكن بينهما تهاد قبل ذلك بسبب من الأسباب، فأما إذا كان بينهما تهادي قبل ذلك بسبب صداقة أو قرابة، فأهدى إليه كما كان يهدي قبل ذلك، ثم إن المهدى إليه قام لإصلاح أمره، فهذا أمر حسن؛ لأنه مجازاة الإحسان بالإحسان، ومقابلة الكرم بالكرم.
ونوع من ذلك: أن يهدي الرجل إلى سلطان ليقلد القضاء له أو عملاً آخر، وهذا نوع لا يحل للآخذ الأخذ، ولا للمعطي الإعطاء، لأن المعطي إنما يعطي ليأخذ أموال الناس، ويظلم عليهم، والآخذ إنما يأخذ ليسلطه على الظلم، ومن أخذ القضاء بالرشوة، هل يصير قاضياً؟ فالصحيح أنه لا يصير قاضياً، ولو قضى لا ينفد قضاؤه.
ونوع من ذلك: أن يهدي الرجل إلى قاض ليقضى له، وهذا نوع لا يحل للآخذ الأخذ ولا للمهدي الإعطاء، أما لا يحل للآخذ الأخذ، لأن القضاء إن كان بالجور، فالقضاء بالجور حرام، فإنما أخذ المال لمباشرة الحرام، وإن كان القضاء بحق، فلأن القضاء بالحق عبادة، وأخذ المال على العبادات لا يجوز، وأما لا يجوز الإعطاء؛ لأنه إن كان القضاء له بالجور، فإنما يعطى المال لأجل الحرام، وإن كان القضاء بالحق؛