قال علماؤنا رحمهم الله: الخلع طلاق بائن ينتقص به من عدد الطلاق، به ورد الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعن عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم. وقال الشافعي رحمه الله: هو فسخ لا ينتقص به من عدد الطلاق، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه، وتكلّم أصحابنا رحمهم الله فيما إذا قضى قاضٍ بكونه فسخاً، هل ينفذ قضاؤه؟ منهم من قال ينفذ، ومنهم من قال لا ينفذ، وتكلّم المشايخ في لفظة البيع والشراء هل لابن عباس رضي الله عنه فيه قول كما في الخلع، قال بعضهم ليس له فيه قول وهو طلاق بائن بالاتفاق، وقال بعضهم خلافه في كل موضع عدم فيه لفظة الطلاق، وإنّه من جملة الكنايات حتّى لا يقع به الطلاق بدون النيّة، وتصح نيّة الثلاث فيه، وإذا قال الزوج لم أنوِ به الطلاق، فإن لم يذكر بدلاً صدّق ديانة وقضاء وإن ذكر بدلاً بأن قال لها مثلاً، خالعتك على ألف درهم، ثمَّ قال لم أعن به الطلاق لا يصدّق وقدم هذا فيما تقدّم، ويعتبر من جانب الزوج يميناً وتعليقاً للطلاق بقبولها حتّى لو قال لها خالعتك على كذا، ثمَّ رجع قبل قبول المرأة لا يصح رجوعه، وكذلك لا يبطل بقيامه عن المجلس قبل قبول المرأة، وكذلك لا يتوقف على حضورها، بل يجوز إذا كانت غائبة، فإذا بلغها فلها خيار القبول في مجلسها، ويصحّ التعليق بالشرط والإضافة إلى الأوقات، نحو أن يقول: إذا جاء غد فقد خالعتك على ألف درهم، فإذا قدم فلان فقد خالعتك كان القبول إليها بعد مجيء الوقت وقدوم فلان.
ومن (جار) المرأة تعتبر بالإيجاب والقبول كما في باب البيع حتّى إنّه إذا كانت البداية من جانب الزوج، فقامت عن المجلس قبل القبول يبطل الإيجاب، وإن كانت البداية من جانب المرأة بأن قالت له اخلعني على كذا، صحّ رجوعها قبل قبوله ويبطل بقيامها عن المجلس وبقيامه ولا يتوقف حال غيبة الزوج، ولا يجوز التعليق منها بشرط، ولا إضافة إلى وقت وقدّم الفرق من الجانبين قبل هذا.
وينبني على هذا ما قال أبو حنيفة (٢٦٠أ١) رحمه الله إذا خالعها وشرطت المرأة لنفسها الخيار جاز، وقال أبو يوسف ومحمّد رحمهما الله: لا يجوز ولو شرط الزوج الخيار لنفسه لا يجوز إجماعاً فهما قاسا جانبها بجانبه، وأبو حنيفة رحمه الله فرّق بينهما بما قلنا إنَّ الخلع من جانب الزوج يمين، واليمين غير قابلة للخيار، ومن جانب المرأة معاوضة، والمعاوضة قابلة للخيار.