للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأن أقرضه غلته ليرد غلته صحاحاً أو ما أشبه ذلك، وإن لم يكن مشروطاً فأعطاه المستقرض أجود مما عليه فلا بأس به، وكذلك إذا أقرض رجلاً دراهم أو دنانير ليشتري المستقرض من المقرض متاعاً بثمن غالٍ فهو مكروه، وإن لم يكن شراء المتاع مشروطاً في القرض، ولكن المستقرض اشترى من المقرض بعد القرض متاعاً بثمن غالٍ، فعلى قول الكرخي لا بأس به، وذكر الخصاف في «كتابه» ، وقال: ما أحب له ذلك، وذكر شمس الأئمة الحلواني أنه حرام؛ لأن هذا قرض جر منفعة؛ لأنه يقول: لو لم أشتره منه طالبني بالقرض في الحال.

وذكر محمد رحمه الله في كتاب الصرف: أن السلف كانوا يكرهون ذلك، إلا أن الخصاف لم يذكر الكراهة، إنما قال: (ما) أحب له ذلك، فهو قريب من الكراهة، ولكنه دون الكراهة، ومحمد رحمه الله لم يرَ بذلك بأساً، فإنه قال في كتاب الصرف: المستقرض إذا أهدى للمقرض شيئاً لا بأس به من غير فصل، فهذا دليل على أنه رفض قول السلف، قال شيخ الإسلام: ما نقل عن السلف فذاك محمول على ما إذا كانت المنفعة وهو شراء المتاع في مسألتنا بثمن غال مشروط في الاستقراض، وذلك مكروه بلا خلاف، وما ذكر محمد رحمه الله محمول على ما إذا لم تكن المنفعة وهي الإهداء مشروطة في القرض، وذلك لا يكره بلا خلاف، هذا إذا تقدم الإقراض على البيع.

فأما إذا تقدم البيع على الإقراض؛ وصورة ذلك: رجل طلب من رجل أن يعامله بمائة دينار، فباع المطلوب منه المعاملة من الطالب ثوباً قيمته عشرون ديناراً، بأربعين ديناراً، ثم أقرضه ستين ديناراً على صار للمقرض على المستقرض مائة دينار، وحصل للمستقرض ثمانون ديناراً، ذكر الخصاف رحمه الله: أن هذا جائز، وهذا مذهب محمد بن سلمة إمام بلخ، فإنه روي أنه كان له سلع، فكان إذا استقرض إنسان منه شيئاً كان يبيعه أولاً سلعة بثمن غالٍ، ثم يقرضه بعض الدنانير إلى تمام حاجته.

وكثير من مشايخ بلخ كانوا يكرهون ذلك، وكانوا يقولون: هذا قرض جر منفعة، فإنه لولا ذلك القرض كان لا يتحمل المستقرض غلاء ثمن الثوب، فكان قرضاً جر منفعة، ومن المشايخ من قال: إن كانا في مجلس واحد يكره، وإن كانا في مجلسين مختلفين لا بأس به؛ لأن المجلس الواحد يجمع الكلمات المتفرقة، فكأنهما واحد من المنفعة المشروطة في القرض، وكان الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة الحلواني يفتي بقول الخصاف، وبقول محمد بن سلمة، ويقول: هذا ليس بقرض جر منفعة، هذا بيع جر منفعة وهو القرض.

[الفصل الثلاثون في ملاقاة الملوك، والتواضع لهم، وتقبيل أيديهم، أو يدغيرهم، وتقبيل الرجل وجه غيره، وما يتصل بذلك.]

قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله: من قبل الأرض بين يدي السلطان أو أمير، أو سجد له، فإن كان على وجه التحية لا يكفر، ولكن يصير آثماً مرتكباً الكبيرة، أما لا

<<  <  ج: ص:  >  >>