عليهما، فذلك بمنزلة إقرارهما بالدين في المرض، حتى لو ماتا من مرضهما وعليهما ديون الصحة بُدىء بديون الصحة؛ لأن ما وجب عليهما في المرض وجب بإقرارهما أنهما شهدا بزور، وكان دين المرض من هذا الوجه.
وإذا ادعى المشهود عليه الرجوع على الشاهد، وأراد استحلافه أو إثباته بالبينة، فهذا على وجهين:
الأول: أن يدعي الرجوع عند غير القاضي وفي هذا الوجه لا يستحلف الشاهد ولا يسمع بينة المشهود عليه على ذلك؛ لأنه يدعي رجوعاً باطلاً لا يتعلق به حكم؛ لأن الرجوع في غير مجلس القضاء باطل فلم تصح دعواه، فلا يترتب عليه التحليف وسماع البينة.
الوجه الثاني: أن يدعي رجوعاً في مجلس قاض آخر، وإنه على وجهين أيضاً:
g
الأول: أن يدعي رجوعهما عند قاض، ولا يدعي قضاء القاضي عليهما بالرجوع، وفي هذا الوجه لا يستحلف أيضاً، و (لا) تسمع بينة المشهود عليه؛ لأن دعواه لم تصح، لأنه ادعى رجوعاً غير موجب الضمان؛ لأن الرجوع عن الشهادة لا يصير موجباً الضمان قبل قضاء القاضي، لأن الرجوع فسخ الشهادة فيعتبر بالشهادة، والشهادة لا توجب الحكم قبل اتصال القضاء بها حتى لو أراد المدعي إثبات ما شهد به الشهود عند قاض في مجلس قاض آخر بالبينة ليقضي له بذلك القاضي الآخر لا يسمع بينته، فكذا الرجوع لا يصير موجباً الضمان قبل اتصال القضاء به، فهو معنى قولنا: إن دعواه لم تصح.
الوجه الثاني: أن يدعي رجوعاً، وقضاء القاضي عليه بالرجوع، وفي هذا الوجه يستحلف الشاهد وتسمع بينة المشهود عليه على ذلك، لأن الدعوى قد صحت، لأنه ادعى رجوعاً موجباً للضمان، فيترتب عليه التحليف وسماع البينة، وإذا رجع الشاهد عن شهادته عند غير القاضي الذي شهد عنده أول مرة، فقامت عليه البينة بالرجوع وبقضاء القاضي عليه بالضمان، فهذا القاضي ينفذ ذلك عليه، فيأمره بأداء الضمان، وكذلك لو شهد عليه شاهدان عند القاضي أنه أقر أنه رجع عند قاض من القضاة، وقضى عليه بالضمان، فهذا القاضي يقضي بهذه الشهادة ويلزمه الضمان والله أعلم.
[الفصل الثاني: في رجوع بعض الشهود عن الشهادة]
يجب أن يعلم أن العبرة في باب الرجوع عن الشهادة في حق بقاء الحق ووجوب الضمان لبقاء من بقي لا لرجوع من رجع، حتى إنه إذا شهد ثلاثة نفر على رجل بدين ألف درهم مثلاً، وقضى القاضي بشهادتهم، ثم رجع اثنان منهم ضمنا نصف المال، ولو رجع واحد منهم فلا ضمان على الراجع، وهذا لأن وجوب الحق في الحقيقة بشهادة الشاهدين، لأن ما زاد على الشاهدين في هذه الحقوق فضل في حق القضاء إلا أن