الإقرار ملزماً إياه شيئاً لم يكن في إثباته بالبينة معنى وفائدة، فلهذا لا يقبل القاضي هذه البينة والله تعالى أعلم بالصواب.
[الفصل الثالث والعشرون: في بيان ما يندفع به دعوى المدعي وما لا يندفع]
هذا الفصل يشتمل على أنواع:
نوع منها: في دعوى الملك المطلق، ودعوى المدعى عليه كون المدعى في يده وديعة من جهة غيره أو عارية أو إجارة أو رهناً، أو ما أشبه ذلك هذا النوع ينقسم أقساماً.
القسم الأول إذا حقت الدعوى في العين حال قيامه
قال محمد رحمه الله: وإذا ادعى رجل عيناً في يدي رجل ملكاً مطلقاً، أو داراً أو ثوباً أو ما أشبه ذلك، وأقام بينة على دعواه، فقال ذو اليد: إن هذه العين لفلان الغائب أودعنيها، أو قال: أجرنيها، أو قال: ارتهنتها منه، أو قال: اغتصبتها منه، فإن أقام بينة على دعواه فلا خصومة بينهما، وإن لم يقم، فهو خصم للمدعي في ظاهر رواية أصحابنا.
ووجهه: أن الخصومة قد توجهت على صاحب اليد بظاهر يده لأنه حال بين المدعي وبين المدعى به، ولهذا كان على القاضي إحضاره وتكليفه بالجواب، فهو بدعواه هذه يريد إبطال الخصومة المتوجهة عليه فلا يقدر على ذلك من غير حجة، وبعد إقامة الحجة طريق اندفاع الخصومة أن صاحب اليد ببينته يثبت شيئين: الملك للغائب وهو ليس بخصم فيه، وإسقاط الجواب عن نفسه، ولا تقبل بينته فيما ليس بخصم فيه وهو إثبات الملك للغائب.
وعن أبي يوسف أنه رجع عن هذا حين ابتلي بالقضاء ووقف على أحوال الناس وقال: إذا كان المدعى عليه معرفاً بالافتعال والتزوير، ووقع في قلب القاضي أنه قصد الافتعال بهذا ليبطل حق المدعي لا تندفع الخصومة عنه بهذه البينة، لأن مثل هذا الافتعال يوجد فيما بين الناس، فالإنسان يأخذ مال غيره غصباً، ثم يدفعه سراً إلى من يريد أن يغيب عن البلدة حتى يودعه علانية بشهادة الشهود.
حتى إذا جاء المالك وأراد أن يثبت ملكه، فالمدعى عليه يقيم بينة على الإيداع من الغائب، ويدفع خصومة الملك بذلك، والقاضي يصير ناظراً للمسلمين، فينبغي أن ينظر في حق المدعي، وذلك بأن لا يلتفت إلى بينة المدعى عليه إن عرف بالافتعال والتزوير، ووقع في رأيه أنه قصد بهذا الإضرار بالمدعي، وهذا الذي ذكرنا في جواب ظاهر الرواية: إذا عرف شهود صاحب اليد المودع باسمه ونسبه ووجهه فأما إذا قالوا: أودعه رجل لا نعرفه أصلاً، فالقاضي لا يقبل شهادتهم، فلا تندفع خصومة المدعي من صاحب اليد بالإجماع.