[الفصل الثالث فيمن يجب عليه العشر وفيمن لا يجب عليه]
ذكر في «المنتقى» عن محمد: إذا زرع رجلان بالنصف، والبذر من رب الأرض، أو من العامل، فأخرجت الأرض خمسة أوسق، ففيها العشر، وإن كان البذر منهما نصفين فلا عشر فيها، إلا أن يبلغ نصيب كل واحد منها خمسة أوسق.
وفيه عنه أيضاً: إذا كان للرجل زرع في أرض العشر، فمات قبل أن يحصد، فوزنه، وفرقه، ولا يصيب كل واحد منهم خمسة أوسق، ففيه العشر؛ لأن ملك الورثة بناءً على ملك المورث، فيعتبر كمال النصاب في حق المورث، وقد وجد.
وفيه أيضاً: أرض بين رجلين، أخرجت خمسة أوسق حنطة، فاقتسماها، أو لم يقسماها قال: يؤخذ منه العشر، ولو تهايأا على الأرض فزرع كل واحد منهما طائفة منها لم تكن على واحد منها عشر حتى تخرج له خمسة أوسق.
وفي «القدوري» : إذا أخرجت الأرض المشتركة خمسة أوسق، ففيها العشر في إحدى الروايتين عن أبي يوسف، وروي عنه أنه لا يجب، وهو قول محمد، والله أعلم.
ويؤخذ العشر من الأراضي العشرية إذا كان المالك مسلماً صغيراً كان، أو كبيراً عاقلاً كان، أو مجنوناً، وكذلك يجب في أرض المكاتب، وفي أرض الوقف؛ لأن هذا حق مال يجب بسبب أرض نامي، فيجب على هؤلاء كالخراج، وهذا لأن معنى المؤنة في العشر أصل، ومعنى العبادة تبع لأنه تجب بسبب أرض نامية، ونماء الأرض لا يحصل إلا بمؤنة عظيمة تلحق المالك، فعلم أنه أوجب بطريق المؤنة.
ألا ترى أن الزكاة لا تجب بسبب الإبل العوامل؛ لأن منفعتها لا تحصل إلا بمؤنة عظيمة تلحق المالك.... وجب العشر بسبب الأرض النامي الذي لا يحصل نماؤه إلا بمؤونة عظيمة تلحق المالك، علمنا أن الشرع ألحقه بالمؤن، إلا أن معنى العبادة فيه تبع من حيث المصرف، فإنه يصرف إلى الفقراء، وإذا كان معنى المؤن فيه أصلاً كانت العبرة لمعنى المؤن، فيجب على هؤلاء كالخراج، وهذا بخلاف الزكاة؛ لأن الزكاة عبادة محضة ليس فيها معنى المؤن، أوجبت شكراً على نعمة الغنى، ألا ترى أنها لا تجب بسبب الإبل العوامل التي لا تحصل منفعتها إلا بمؤنة عظيمة تلحق المالك؟ والمعنى لا يثبت للمالك بما في يده، ولهذا حلت له الصدقة، فلا تجب عليه الزكاة، ويجب العشر على المديون بخلاف الزكاة؛ وهذا لأن الدين إنما منع وجوب الزكاة لنقصان في الملك، إلا أن نقصان الملك لا يمنع وجوب العشر، ألا ترى أنه يجب العشر في أرض المكاتب.
وإذا استأجر أرضاً عشرية وزرعها، فالعشر على رب الأرض في قول أبي حنيفة،