للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه على عدالته، تنفيذ التقليد بحال عدالته، ولا يبقى التقليد بعد ارتفاع العدالة، وإذا قلده فيما هو عدل، فلم يعقد على عدالته، فصح التقليد.

ثم من شرط العدالة في القضاء، يحتاج إلى الفرق بين القضاء والإمارة، فإن الإمام يصير إماماً، وإن كان فاسقاً، وإذا كان عدلاً، ثم فسق لا يخرج عن الإمارة والإمامة، والفرق أن مبنى الإمارة على السلطنة والغلبة، ألا ترى أن من الأمراء من قد غلب، وجاز أحكامه، وصلى خلفه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومبنى القضاء على الأمانة والعدالة، فإذا بطلت العدالة بطل القضاء ضرورة، هذا بيان من يجوز له تقلد القضاء.

جئنا إلى بيان من يجوز تقلد القضاء منه، فنقول: يجوز تقلد القضاء من السلطان العادل والجائر، أما من السلطان العادل فظاهر، وأما من السلطان الجائر، فلأن الصحابة تقلدوا الأعمال من معاوية بعد ما أظهر الخلاف مع علي رضي الله عنه، والحق مع علي رضي الله عنه في قومته، وتقلدوا من يزيد مع جوره وفسقه، والتابعين تقلدوا من حجاج بعد ما تبين منه اللجاج، ومع أنه كان أفسق أهل زمانه، حتى قال الحسن البصري: لو كان كلامه بحيث أنها وصية بأبي محمد قبلناه، ولكن أن يجوز تقلد القضاء من السلطان الجائر، إذا كان يمكنه من القضاء بحق، ولا يخوض في قضاياه بشر، ولا ينهاه عن تنفيذ بعض الأحكام كما ينبغي، أما إذا كان لا يمكنه من القضاء بحق ويخوض في قضاياه بشر، ولا يمكنه من تنفيذ بعض الأحكام كما ينبغي، لا يتقلد منه.

قال القاضي الإمام أبو جعفر رحمه الله وهو صاحب كتاب «الأقضية» بعد ما تبين أهل القضاء: ولا ينبغي لأحد أن يفتى للناس إلا من كان هكذا، يريد به أن المفتي ينبغي أن يكون عدلاً، عالماً بالكتاب والسنة واجتهاد الرأي، أما اشتراط العلم بهذه الأشياء؛ فلأن المفتي بفتواه يبين أحكام الشرع، وإنما يمكنه بيان أحكام الشرع إذا علم بالأدلة الشرعية، وأما اشتراط العدالة فمؤتمن عليه، قال: إلا أن يفتي بشيء قد سمعه فإنه يجوز، وإن لم يكن عالماً بما ذكرنا من الأدلة، لأنه حاك ما سمع من غيره، فهو بمنزلة الراوي في باب الأحاديث، فشرط فيه ما يشترط في الراوي، من العقل والضبط والعدالة والقهر على ما عرف في موضعه.

[الفصل الثاني: في الدخول في القضاء]

أورد الخصاف في «أدب القاضي» أحاديثاً في كراهة الدخول في القضاء، وفي الرخصة فيه، قال: وقد دخل فيه قوم صالحون، وامتنع عنه قوم صالحون، وترك الدخول أمثل وأسلم وأصلح في الدين، وهذا فصل اختلف فيه المشايخ أن بعد استجماع شرائط القضاء في شخص هل يجوز له تقلد القضاء؟ قال بعضهم: يكره له التقليد، ألا ترى كيف

<<  <  ج: ص:  >  >>