للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل التاسع في تملك الغاصب المغصوب، والانتفاع به]

ذكر في «فتاوى أبي الليث» عن الفقيه أبي بكر الإسكاف فيمن غصب من آخر لحماً وطبخه، وغصب حنطة، وطحنها، وصار المال له، ووجب عليه القيمة فأكله حلال في قول أبي حنيفة رضي الله عنه، وفي قول أبي يوسف أكله حرام قبل أن يرضى صاحبه.

وفي «فتاوى أهل سمرقند» : من غصب من آخر طعاماً فمضغه حتى صار بالمضغ مستهلكاً، فلما ابتلعه حلالاً في قول أبي حنيفة رضي الله عنه خلافاً لأبي يوسف رحمه الله بناء على أن شرط الطيب الملك بالبدل عند أبي حنيفة، وعندهما أداء البدل. حكي عن الشيخ الإمام الزاهد نجم الدين عمر النسفي أنه كان لا يصحح ما ذكر عن أبي حنيفة في هاتين المسألتين، وكان ينكر أن يكون ذلك قول أبي حنيفة، وكان يقول: الصحيح عند المحققين من مشايخنا على قضية مذهب أصحابنا أن الغاصب لا يملك المغصوب إلا عند أداء الضمان، أو قضاء القاضي بالضمان، أو تراضي الخصمين على الضمان.

وإذا وجد شيء من هذه الأشياء الثلاثة ثبت الملك، وما لا فلا، وبعد وجود شيء من هذه الأشياء الثلاثة إذا ثبت الملك لا يحل للغاصب تناوله؛ لأنه استفاده بفعل لا يحل، فصار كالمملوك بالبيع الفاسد عند القبض؛ إلا أن يجعله صاحبه في حل فحينئذٍ يباح تناوله لانقطاع ذلك السبب.

وفي «القدوري» : غصب حنطة، وزرعها فعليه مثلها، ويتصدق بالفضل، ويكره الانتفاع بها حتى يرضى صاحبها، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد، وعلى قول أبي يوسف على ما روى عنه بشر؛ لا يكره الانتفاع قبل أداء الضمان، وعلى ما روى عنه هشام؛ يكره الانتفاع.

فرق أبو يوسف بين هذه المسألة، وبين إذا غصب من آخر حنطة، وطحنها على رواية بشر، فإن تلك المسألة يكره له الانتفاع قبل أداء الضمان عنده باتفاق الروايات، والفرق: أن الطحن ليس بإتلاف حقيقة، وإنما هو تغير لصفة العين، فجاز أن يبقى حق المالك لقيام المعنى، فأما الحنطة إذا زرعت هلكت، فلم يبق لها عين يتعلق به حق المغصوب منه، فلم يكره الانتفاع به قبل أداء الضمان لهذا، وعلى هذا الأصل قال أبو يوسف: إذا غصب من آخر نواً، وغرسه، واتخذ منه نخلاً، فلا بأس بالانتفاع به قبل أن يرضى صاحبه، ولو غصب بالة، وغرسها حتى صار نخلاً؛ كره الانتفاع بها قبل أن يرضى صاحبه؛ لأن النوى يعفن ويهلك، والبالية تزيد في نفسها وأبو حنيفة ومحمد وأبو يوسف على رواية هشام؛ إنما كرهوا الانتفاع قبل أداء الضمان؛ حتى لا يصير سبباً لفتح باب تناول أموال الناس بالباطل.

وروي عن أبي حنيفة رضي الله عنه في الشاة المغصوبة: إذا ذبحها وشواها، لم يسع له أن يأكلها، ولا يطعم أحداً حتى يضمن، وإن كان صاحبها غائباً، أو حاضراً

<<  <  ج: ص:  >  >>