قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: وينبغى للرجل أن لا يكثر الأكل، ولا يأكل فوق الشبع، فإن ذلك مذموم عند الله تعالى وعند الناس، وهو مضر بالبدن؛ روي عن بعض الأطباء أنه قيل له: هل نجد الطب في كتاب الله تعالى؟ قال: نعم، قد جمع الله تعالى الطب في هذه الآية، وهو قوله:{كلوا واشربوا ولا تسرفوا}(الأعراف:٣١) يعني أن الإسراف في الأكل والشرب يتولد منه الأمراض، وقيل: إذا كان الرجل قليل الأكل كان أصح جسماً، وأجود حفظاً، وأذكى فهماً، وأقل نوماً، وأخف نفساً.
وذكر محمد رحمه الله في كتاب الكسب؛ وكل واحد منهي عن إفساد الطعام، قال من الإفساد السرف، والسرف في الطعام أنواع، فمن ذلك أن يأكل فوق الشبع فإنه حرام.
ومن المتأخرين من استثنى ذلك أنه إذا كان له غرض صحيح في الأكل فوق الشبع فحينئذٍ لا بأس به، وذلك بأن يأتيه ضيف بعدما أكل قدر حاجته، فيأكل لأجل الضيف حتى لا يخجل، أو يريد صوم الغد فيتناول فوق الشبع.
ومن الإسراف في الطعام الإكثار في المباحات والألوان، فذلك منهي إلا عند الحاجة؛ بأن قبل حاجة واحدة، فيستكثر من المباحات ليستوفي من كل نوع شيئاً، فيجمع له مقدار ما يتقوى به على الطاعة، وكذلك إذا كان من قصده أن يدعو بالأضياف قوماً بعد قوم إلى أن يأتوا على آخر الطعام، فلا بأس بالاستكثار في هذه الصورة.
ومن الإسراف أن يأكل وسط الخبز، ونزع حواشيه، أو يأكل ما انتفخ من الخبز كما يفعله بعض الجهال يزعمون أن ذلك ألذ، ولكن هذا إذا كان غيره لا يتناول ما ترك من حواشيه؛ فأما إذا كان غيره يتناول ذلك فلا بأس بذلك، كما لا بأس بأن يختار لتناوله رغيفاً بعد رغيف.
ومن الإسراف التمسح بالخبز عند الفراغ من الطعام من غير أن يأكل ما يتمسح به؛ لأن غيره يستقذره فلا يأكله، فإما إذا أكل ما يتمسح به فلا بأس. ومن الإسراف إذا سقط من يده لقمة أن يتركها؛ بل ينبغي أن يبدأ بتلك اللقمة؛ لأن في تركها استخفاف بالخبز، ونحن أمرنا بإكرام الخبز؛ قال عليه السلام:«أكرموا الخبز فإنها من بركات السماء والأرض» ، (٩١أ٢) وينبغي أن لا ينتظر الإدام إذا حضر الخبز، ويؤخذ في الأكل قبل أن يؤتى بالإدام.
ويستحب غسل اليدين قبل الطعام وبعده، فإن فيه بركة، قال سليمان: قرأت في