للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل التاسع: فيما يكون الأجير مسلماً مع الفراغ منه وما لا يكون

قال محمد رحمه الله: في «الجامع الصغير» عن أبي حنيفة: رجل استأجر رجلاً ليخبز له فخبز فلما أخرج الخبز من التنور احترق من غير عمله فلا ضمان عليه وله الأجر، وهذا إذا كان الخباز يخبز في بيت المستأجر؛ وهذا لأنه لما أخرج الخبز من التنور فقد أتم العمل؛ لأن عمله جعل الدقيق خبزاً ومتى أخرجه من التنور صار منتفعاً به انتفاع الخبز فيتم عمله، وصار مسلماً لقيام يد المستأجر على الخبز؛ لأن الخبز في بيته، والبيت في يده فتثبت يده على الخبز ضرورة ثبوت يده على البيت وإذا صار مسلماً إليه وجب الأجر، فإذا هلك بعد ذلك فقد هلك بعد ما صار مسلماً إلى المستأجر، فلهذا قال: فله الأجر ولا ضمان عليه.

أما عند أبي حنيفة رحمه الله؛ فلأنه لم يهلك من عمله وأما على قولهما: فلأن هلك بعد التسليم.

وذكر القدوري في «شرحه» في هذه المسألة: أن عليه الضمان على قولهما لأن العين مضمون على الأجير بمنزلة المغصوب في يد الغاصب، فلا يبرأ عن الضمان إلا بالتسليم دون الوضع في بيته ثم على ما ذكره القدوري إذا وجب الضمان عندهما، كان لصاحب الدقيق الخيار إن شاء ضمنه دقيقاً مثل دقيقه، ولا أجر له وإن شاء ضمنه قيمة الخبز مخبوزاً وأعطاه الأجر.

قال القدوري في «شرحه» : ولا ضمان عليه في الحطب والملح عندهما؛ لأن ذلك صار مستهلكاً قبل وجوب الضمان عليه وحال ما وجب الضمان فهو رماد لا قيمة له، وإن لم يخرج الخبز من التنور حتى احترق فلا أجر له؛ لأنه لم يتم عمله فإن ما عمل غير منتفع به فصار كأنه لم يوجد أصلاً فلهذا ما وجب الأجر.

وفي القدوري: إذا استأجر (٢٢ب٤) رجلاً ليبني له بناء في داره أو فيما هو في يده أو يحفر له بئراً أو قناة في داره أو نهراً، فعمله ولم يفرغ منه حتى انهدم البناء، وانهارت البئر فله من الأجر بحصة ما عمل؛ لأن العمل بقدر ما عمل وقع مسلماً؛ لأن محل العمل في يد المستأجر فيستحق الأجر، وإن كان ذلك في غير ملكه ولا هو في يده فلا أجر له حتى يفرغ منه ويسلمه إليه؛ لأن التسليم لم يوجد، فإن العمل في المحل إنما يعتبر مسلماً إلى المستأجر على تقدير كون المحل في يده.

وقال الحسن بن زياد: إذا أراه موضعاً من الصحراء ليحفر فيه بئراً فهو بمنزلة ما لو كان في ملكه ويده قال: وهو قياس قول أبي حنيفة فإنه تثبت يده عليه بالتعيين، لأنه يثبت له ضرب خصوصية فيجعل بمنزلة الملك فيما بينهما، وعن محمد أنه لا يصير قابضاً إلا بالتخلية وهو الصحيح؛ لأنه وإن عين لم تثبت يده على المحل.

وفي «الأصل» يقول: إذا استأجر ليحفر له بئراً في الجبانة فحفرها فلا أجر له حتى يسلمها إلى صاحبه قال مشايخنا رحمهم الله: إن محمداً رحمه الله سلم هذه الإجارة ولم

<<  <  ج: ص:  >  >>