[محضر: فيه دعوى السرقة من رجل خباز من رجل أجلسه على دكانه ليبيع الخبز من الناس، ويأخذ الأثمان وهو الذي يسمى صاحب دكان]
وصورة الدعوى: أن الخباز ادعى عليه مبلغاً معلوماً من المال، وقال: إنك سرقت من مالي من أثمان الخبز هذا المبلغ، وادعى عليه إنك قلت: إني أخذت كل يوم خمسة دراهم من الناس، ونقصت لهم من الخبز الذي بعت منهم، إلا أني لم أحبس من مالك شيئاً، وصاحب الدكان منكر ذلك كله، وقد كتبوا في آخر المحضر: فواجب على هذا الذي أحضره معه إحضار هذه الدراهم مجلس القضاء ليتمكن المدعي من إقامة البينة عليها.
فقيل: هذه الدعوى لا تتوجه على صاحب الدكان من جهة الخباز؛ لادعائه ما في الباب أنه يريد إثبات إقراره بأخذ هذه الدراهم على الوجه الذي ذكر في الدعوى، إلا أنه لو ثبت ذلك كان حق الخصومة لأصحاب الدراهم؛ لأنه لما نقصهم من الخبز الذي باع منهم، وأخذ الثمن كان عليه رد ذلك إليهم، وكان حق الاسترداد لهم لا لهذا الرجل إذ ليس هو بخصم عنهم، وإن كان الخباز ادعى عليه إنك قلت: إني أخذت كل يوم خمسة دراهم من مالك، ونقصت الوزن للمشتري أيضاً لا تصح الدعوى؛ لأنه إذا نقص من الخبز المبيع، وأخذ الثمن تاماً كانت الدراهم التي هي بمقابلة النقصان ملك المشتري، فلا يكون للخباز ولاية الاسترداد.
وقد يكون زعم نفر من الأئمة أن صاحب الدكان لما أقر بأخذ الدراهم كان ذلك إقرار من حيث الظاهر أن الدراهم عوض إخبازه أخذها على دكانه عند البيع، فبدعواه أنه أخذ من الناس، ونقص لهم من الخبز الذي باع منهم يكون مدعياً خلاف الظاهر، فلا يصدق على المدعي ما لم يثبت ذلك، وهذا منهم مجرد ظن.
ووجه ذلك: أن الخباز يدعي أن الدراهم المأخوذة حقه، وصاحب الدكان منكر، فيكون القول قوله لا أن يكون هو المدعي حتى يكون إثبات ذلك عليه، وبيان فساد هذه الدعوى من وجه آخر أنه يريد أن يدعي عليه مالاً معلوماً مقدراً، ويقول: إنك أقررت بأخذ خمسة دراهم كل يوم، فيكون الدراهم في يده كذا كذا مبلغاً، ونحن نعلم قطعاً أو ظاهراً أن على تقدير التصور لا تجتمع الدراهم في يده ما ذكر من المبلغ؛ لأن المدة كانت طويلة خمس سنين أو ست سنين، فنعلم نفسياً أن الدكان لا يكون على العمل في هذه المدة على سبيل الدوام، بل يتعطل في بعض الأيام، ويحتاج إلى تجديد التنور والعمارة، وهذا أمر معتاد متعارف، وظاهر فيكون دعوى مبلغ معلوم مقدر بحساب كل يوم في جميع هذه المدة كذباً محضاً، ودعوى باطلة، فلا يسمع.
وكانوا كتبوا في آخر محضر الدعوى: فواجب على هذا الذي أحضره إحضار الدراهم مجلس القضاء ليتمكن المدعي من إقامة البينة عليها، وهذا كلام فاسد لغو ضائع من قبل أن الإحضار إنما يشترط للشيء المدعى به وقت الشهادة لتسيير الشهود المدعى به وقت الشهادة، وهاهنا الشهود لما كانوا يريدون الشهادة على إقراره لقبض خمسة دراهم