الفَصْل الرابِع: في الاستماع إلىَ الشُهُود وَصِفَةِ أداء الشَّهَادَة
ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله: شاهدان شهدا على رجل بمال، فقبل أن يقضي القاضي بشهادتهما شهد عليهما رجلان أنهما رجعا عن شهادتهما، فإن كان الذي أخبر عن رجوعهما ممن يعرفه القاضي ويعدله وقف في أمرهما، ولم ينفذ شهادتهما، وإذا شهد شاهد على الحق مفسراً، وشهد الآخر على شهادته لا تقبل، وكذلك إذا شهد الآخر على مثل شهادته؛ لأن مثلها قد يكون صلة، فصَار هذا وما لو قال: أشهد على شهادته سواء، أما إذا قال الآخر: أشهد بمثل ما شهد به الأول، فعند الخصاف لا تقبل شهادة الشهادة؛ لأن قوله أشهد بمثل ما شهد به الأول محتمل: يحتمل أشهد بمثل ما شهد الأول كملاً، ويحتمل بمثل ما شهد به الأول نقصاً، وعند عامة المشايخ: تقبل هذه الشهادة، وكان الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني رحمه الله يقول: إن كان الشاهد الأخير فصيحاً يمكنه أداء الشهادة على وجهها إلا أنه دخله حصر بسبب هيبة مجلس القضاء، أو كان عجمياً غير فصيح، إلا أنه يمكنه بيان الشهادة بلسانه على وجهها لولا حشمة مجلس القضاء، لا يكلف تفسير الشهادة، وإذا شهد بمثل ما شهد به الأول يقبل.
وإن كان الشاهد عجمياً لا يمكنه بيان الشهادة بلسانه أصلاً لا يقبل منه الإجمال، وكان الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي يقول: إن أحس القاضي بخيانة من الشهود لا بد وأن يفسر الثاني الشهادة على الوجه الذي شهد به الأول، وإن لم يحس بخيانة لا يكلفه تفسير الشهادة، وإذا شهد بمثل ما شهد به الأول تقبل، قال الصدر الشهيد رحمه الله في «شرح أدب القاضي» : وعليه الفتوى، وكان شمس الإسلام الأوزجندي رحمه الله يقول: إنما يقبل الإجمال من الشاهد الآخر إذا قال في شهادته: لهذا المدعي على هذا المدعى عليه، هذه الجملة في «شرح أدب القاضي» للخصاف، في باب القاضي يقضي في المسجد.
وفي هذا الباب أيضاً: إذا كتب شهادة الشاهدين في بياض وقُرِئ عليه ذلك، فقال: أشهد أن لهذا المدعي جميع ما سمى ووصف في هذا الكتاب على هذا المدعى عليه الذي قرئ ووصف في هذا الكتاب في يد هذا المدعى عليه بغير حق وواجب عليه تسليمه إلى هذا المدعي، فهذه شهادة صحيحة، وهذا لأن الشهادة قد تكون طويلة على وجه لا يمكن للشاهد ضبطها وأداؤها على ظهر القلب، لو لم يجز أداؤها عن نسخة أو صك لتعطلت الحقوق، وحكى فتوى شيخ الإسلام شمس الأئمة السرخسي في رجل ادعى داراً من نسخة أو صك قرأها، فقال الشهود وهم آمنون ما هم جنين كواهي سيد هيم لهذا المدعي على هذا المدعى عليه: إن شهادتهم صحيحة، وسئل شمس الإسلام الأوزجندي عن الشهود إذا قالوا بالفارسية: ما كواهي وهيم كه أين عين مدعي به ملك أين مدعي است، هل تقبل شهادتهم؟ قال: نعم. وقيل: ينبغي أن لا تقبل؛ لأن قوله: ما كواهي