وفي الصبي عدم الأهلية وتمكن تهمة الكذب أيضاً؛ لأنه لا يبالي من الكذب من حيث إنه لا يحرم عليه.
وفي الكافر تمكن تهمة الكذب؛ لأن عداوته مع المسلم أمر ظاهر وتمكن عدم الأهلية؛ لأنه لا ولاية له على المسلم، فأحيل بالرد على عدم الأهلية لا على تهمة الكذب، فلم يصر مكذباً فيما أخبر من جهة الشرع، فقبل خبرُه إذا صار أهلاً.
النصراني إذا حُدَّ حَد القذف ثم أسلم، فإن شهادته جائزة، والعبد إذا حُدَّ حَد القذف ثم عتق، فإن شهادته جائزة، والفرق: أن رد الشهادة موجب القذف، وإنه من تمام الحد، والنصراني حال ما قذف كانت له شهادة أخرى لم تكن، وأما العبد حال ما قذف لم تكن له شهادة، فتوقف كون القذف هو موجباً رد الشهادة على حدوث الشهادة.
وإذا تحمل العبد شهادة لمولاه، فلم يؤدها حتى عتق، ثم شهد بها جازت؛ لأن التحمل منه قد صح؛ لأن التحمل بالمعاينة والسماع والرق لا ينافي ذلك، وعند الأداء هو من أهل الشهادة، ولا تهمة في شهادته، فقلنا بقولها وكذلك إذا تحمل أحد الزوجين شهادة لصاحبه، ثم وقعت الفرقة بينهما، وأدى تلك الشهادة جاز لما قلنا.
ولو شهد لصاحبه حال قيام النكاح، فلم يقبل القاضي شهادته ولم يردها حتى وقعت الفرقة بينهما، لم يذكر محمد رحمه الله هذا الفصل في «الأصل» ، وعن أبي يوسف أن القاضي لا يقضي بتلك الشهادة إلا أن يعيدها.
وإذا شهد المولى لعبده بشيء أو شهد لمكاتبه، فرد القاضي شهادته ثم أعتقا وأعاد المولى تلك الشهادة لا تقبل شهادته؛ لأن رد الشهادة في هذه الصورة محال على تهمة الكذب، لا على عدم الأهلية، فالمولى أهل للشهادة، والتقريب ما ذكرنا. ولو شهد العبد أو المكاتب لمولاه، ورد القاضي شهادته، ثم عتقا، وأعاد تلك الشهادة تقبل شهادتهما، والمعنى ما ذكرنا.
وفي «المنتقى» : إذا أشهد الأعمى على شيء، فشهد به عند القاضي، ورد القاضي شهادته، ثم ذهب العمى، فأشهد المشهود عليه ثانياً، فشهد بها عند القاضي جاز؛ لأنه إنما رد الأولى؛ لأنه لم تكن شهادة. وإن أشهد على شهادة وهو بصير، فشهد عليها عند القاضي في حالة العمى، فردها القاضي ثم ذهب العمى، فشهد بها ثانية، فعلى قول أبي يوسف: لا تقبل؛ لأنها كانت شهادة قاطعة فردت.
وإذا شهد حران مسلمان بالغان في حق من الحقوق، وكانا يوم أشهدا صغيرين أو كافرين أو عبدين قبلت شهادتهما؛ لأن هؤلاء من أهل التحمل للشهادة؛ لأن مبناها وقت السماع والمعاينة، وهؤلاء من أهله لكنهم ليسوا من أهل الأداء بسبب الرق والكفر والصبا، فإذا زال الرق والكفر والصبا صاروا من أهل الأداء، فتحققت الشهادة عن تحمل صحيح ممن هو من أهل الأداء فقبلت الشهادة، والله أعلم.