وكذلك قال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله في امرأة اختلعت من زوجها بمال، ثم أقامت البينة أنه كان طلقها ثلاثاً قبل الخلع وكذلك أمة كاتبها مولاها فأدت ثم أقامت البينة على إعتاق كان من المولى قبل الكتابة، وكذلك العبد.
وكذلك الزوج إذا قاسم أخ المرأة ميراثها، وأقر أن هذا ميراث، وأن هذا زوج الميت وهذا أخوها، ثم إن الأخ أقام بينة أن الزوج قد كان طلقها ثلاثاً في حال حياته، فذلك جائز ويرجع الأخ فيما أخذ الزوج من الميراث، وقد تحقق التناقض في هذه المسائل إلا أن هذا تناقض فيما طريقه طريق الخفاء؛ لأن الطلاق مما يستند به الزوج، والعتاق مما يستند به المولى، والتناقض فيما طريقه طريقة الخفاء لا يمنع صحة الدعوى وسماع البينة.
[الفصل الخامس عشر: في الشهادة على الوكالة والوصاية]
رجل أقام بينة عند القاضي أن فلاناً وكله بطلب كل حق له بالكوفة وبالخصومة فيه، جائز ما صنع فيه وليس معه خصم يدعي عليه حقاً، لم يسمع القاضي منه هذه البينة لقيامها على غائب ليس عنه خصم حاضر؛ وإن أحضر رجلاً يدعي الوكيل أن للموكل عليه حقاً وهو ينكر كونه وكيلاً، فأقام الوكيل بينة على وكالته، قضى القاضي عليه، لكونه وكيلاً لقيام البينة على خصم حاضر، وصار الثابت بالبينة كالثابت عيانا، ولو عاين القاضي توكيله قضى بكونه وكيلاً كذا هاهنا، فإن أحضر الوكيل رجلاً آخر من أهل الكوفة يدعي الموكل قبله حقاً، فأنكر الوكالة، لا يحتاج الوكيل إلى إقامة البينة على الوكالة؛ لأن القاضي حين قضى بوكالته ببينة قامت على الأول فإنما قضى بوكالته في حق جميع من بالكوفة؛ لأنه كان لا يتوصل إلى إثبات الوكالة على الأول إلا بإثبات الوكالة على الكل، لكون الوكالة واحدة بلفظ عام، فانتصب الذي حضر مجلس القاضي خصماً عن جميع من بالكوفة، فصار القضاء عليه بالوكالة قضاءً على الكل.
وهو نظير ما لو مات رجل، فجاء رجل إلى القاضي وأحضر معه رجلاً، وأقام بينة أنه ابن الميت، وأن للميت على هذا الذي أحضر مجلس القاضي دين، وقضى القاضي بنسبه يثبت نسبه عاماً في حق هذا المديون وفي حق مديون آخر لما قلنا من المعنى كذا هنا.
ولو كان الشهود شهدوا أن فلاناً وكله بطلب حقه قبل فلان بن فلان الفلاني، وبالخصومة فيه لم يسمع القاضي شهادتهم ما لم يحضر فلان بن فلان؛ لأن الخصم في هذه الوكالة متعين فلا يصير غيره قائماً مقامه إلا بإقامته ولم يوجد، ولو أن الموكل حضر عند القاضي فقال: إني وكلت هذا الرجل بطلب كل حق لي بالكوفة وبالخصومة، وليس