لا يسقط الواجب عن ذمة المشتري، ولا يجب على البائع رد ما قبض كذا ههنا.
فأما الهبة والحط لا يتنوع إلى نوعين: هبة إسقاط وهبة قبض، حط إسقاط وحط قبض، وإنما هو نوع واحد وهو هبة إسقاط، وإذا كان نوعاً واحداً وهو الإسقاط صار كأنه نص عليه، وقال: حططت عنك حط إسقاط، وهبت منك هبة إسقاط، ولو نص على ذلك يسقط الواجب عن ذمة المشتري ويبرأ المشتري مما عليه كذا ههنا، وإذا برئ المشتري مما عليه في هذه الصورة كان له أن يطالب البائع بما وجب له على البائع بالقضاء؛ لأن المطالبة الآن تفيد، فهذا هو الفرق بين الهبة والحط وبين الإبراء.
زان مسألة الحط والهبة أن لو قال البائع للمشتري بعد قبض الثمن: أبرأتك براءة إسقاط، وهناك يصح الإبراء أيضاً، ويجب على البائع رد ما قبض من المشتري. وأما إذا حط كل الثمن أو وهب كل الثمن أو أبرأه عن كل الثمن، فإن كان ذلك قبل قبض الثمن صح الكل، ولكن لا يلتحق بأصل العقد، وإن كان بعد قبض الثمن صح الحط والثمن، ولم يصح الإبراء لما ذكرنا.
هذا جملة ما أورده شيخ الإسلام في شرح كتاب الشفعة وفي شرح كتاب الرهن، وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه في الباب الثاني من شرح كتاب الرهن: أن الإبراء المضاف إلى الثمن بعد الاستيفاء صحيح حتى يجب على البائع رد ماقبض من المشتري، وسوى بين الابراء وبين الهبة والحط فيتأمل عند الفتوى.
[الفصل الثاني عشر: في البيع بشرط الخيار]
هذا الفصل يشتمل على أنواع:
نوع منه في بيان ما يصح منه وما لايصح
يجب أن يعلم بأن الخيار المشروط في العقد لايخلو إما أن يكون مؤبداً بأن يقول المشروط له الخيار على أني بالخيار أبداً، وفي هذا الوجه العقد فاسد؛ لأن الأبد ينصرف إلى العمر ويصير تقدير المسألة كأنه قال: إني بالخيار مدة عمري، ولو صرح بذلك يفسد العقد بجهالة المدة كذا ههنا.
وكذلك إذا قال: على أني بالخيار، ولم يوقت لذلك وقتاً كان العقد فاسداً؛ لأن المطلق فيما يحتمل التأبيد ينصرف إلى الأبد، فكأنه قال: على أني بالخيار أبداً، وكذلك إذا قال: على أني بالخيار أياماً ولم يبين مقدار ذلك فالعقد فاسد.
وإن ذكر لذلك وقتاً معلوماً قال: ثلاثة أيام أو دون ذلك، فالعقد جائز بالاتفاق، وإن قال: أربعة أيام أو ما أشبه ذلك، فعلى قول أبي حنيفة العقد فاسد، وهو قول زفر، وقال أبو يوسف ومحمد: العقد جائز.