ذكرنا في كتاب البيوع كيفية الاستصناع وصفته، وما يجوز فيه وما لا يجوز، ولم نذكر ثمة المسائل فنذكرها ههنا، ومحمد رحمه الله أورد باب الاستصناع في البيوع والإجارات، فنحن فعلنا هكذا أيضاً اتباعاً له.
والاستصناع (٥٨ب٤) أن تكون العين والعمل من الصانع، فأما إذا كان العين من المستصنع لا من الصانع يكون إجارة، ولا يكون استصناعاً.
قال محمد رحمه الله: وإذا سلم الرجل إلى حائك في ثوب من قطن ينسجه له، وسمى عرضه وطوله وجنسه ودقته، والغزل من الحائك حتى كان استصناعاً، فالقياس أن يجوز؛ لأنه استصناع في عمل معلوم، ببدل معلوم فيجوز، كما في الخفاف والأواني استحسن. وقال: لا يجوز؛ لأن جواز الاستصناع بخلاف القياس؛ لأنه بيع المعدوم، لتعامل الناس ولا تعامل في الثياب فيبقى على أصل القياس.
وإن ضرب لذلك أجلاً يصير سلماً، ذكر المسألة في كتاب الإجارات من غير ذكر خلاف.
وفي كتاب البيوع في شرح شيخ الإسلام: أن الاستصناع مما للناس فيه تعامل يصير سلماً، يضرب الأجل في قول أبي حنيفة، وعندهما لا يصير سلماً، وفيما لا تعامل للناس فيه نحو: الثياب يصير سلماً بضرب الأجل بالإجماع.
وفي «القدوري» : وإن ضرب للاستصناع أجلاً فهو بمنزلة السلم، يحتاج فيه إلى قبض البدل في المجلس ولا خيار لواحد منهما في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: ليس بسلم من غير فصل بينما، للناس فيه تعامل وبينما لا تعامل لهم فيه فذكر المسألة في كتاب الإجارات من غير خلاف.
يؤيد ما ذكره شيخ الإسلام في شرح كتاب البيوع: أن فيما لا تعامل فيه يصير الاستصناع سلماً بضرب الأجل بالإجماع.
قال محمد رحمه الله: وإذا دفع حديداً إلى حداد يصنعه أناءً، بأجر مسمى فجاء به الحداد على ما أمره به صاحب الحديد، ويجبر على القبول. ولو خالفه فيما أمره به، فإن خالفه من حيث الجنس بأن أمره بأن يصنع له قدوماً، فصنع له مراءً ضمن حديداً، مثل حديده، وإلا ناله ولا خيار لصاحب الحديد. فإن خالفه من حيث الوصف، بأن أمره أن يصنع له منه قدوماً يصلح للنجارة، فصنع له منه قدوماً يصلح لكسر الحطب، فصاحب الحديد بالخيار إن شاء ضمنه حديداً مثل حديده، وترك القدوم عليه، ولا أجر، وإن شاء أخذ القدوم وأعطاه الأجر، وكذلك الحكم في كل ما يسلمه إلى عامل ليصنع منه شيئاً مسماه، كالجلد يسلمه إلى الإسكاف ليصنعه خفين، أو ما أشبهه.