للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عند النسيان ضاق الأمر على الناس مثل هذه الصورة، لا يتأتى في ديوانه الأول؛ لأن بالعزل يبطل حكم ذلك الديوان؛ لأنه لا يمكن العمل به، والباطل لا يعود، خصوصاً إذا كان ثبوته مع المنافي، فعمل بالقياس فيما يجد في ديوانه الأول كما عمل أبو حنيفة رحمه الله.

[الفصل الرابع عشر: في القاضي يقضي بقضية ثم بدا لهأن يرجع عنه، وفي وقوع القضاء بغير حق]

وإذا قضى القاضي بقضية، ثم بدا له أن يرجع عنها، فإن كان الذي قضى به خطأ لا يختلف فيه ردّه لا محالة؛ لأنه باطل، وإن كان ذلك مما يختلف فيه الفقهاء أمضاه لا محالة، وقضى في المستقبل بما يرى أنه أفضل.

واعلم بأن التحول من رأي إلى رأي في المجتهدات جائز؛ لأن المجتهد فيما اجتهد لا يكون مصيباً الحق لا محالة، لأنه لا يعمل فيه بدليل قطعي، وإنما يعمل فيه بغالب الظن، فالدليل الموجب للعلم بالرأي الأول: غلبة الظن أنه هو الصواب، فإذا غلب على ظنه أن الصواب هو الثاني دون الأول، فقد وجد الدليل الموجب للعمل بالرأي الثاني فيعمل به، إلا أنه يعمل بالرأي الثاني في المستقبل دون الماضي؛ لأن الرأي الثاني حدث الآن، ولم يكن موجوداً في الماضي، فلا يجب العمل به حال عدمه يوضحه: أن الرأي الثاني ناسخ للأول، وإنما يعمل بالناسخ في المستقبل دون الماضي، وإليه أشار عمر رضي الله عنه حين قضى في حادثة بقضية، وقضى بعد ذلك في مثلها بخلافه، فقيل له في ذلك فقال تلك كما قضينا وهذه كما نقضي.

ثم قضاء القاضي إذا وقع بخلاف الحق لا يخلو عن وجهين: إما أن (٧٣أ٤) أخطأ فيما قضى أو يعتمد الجور فيما قضى وأقر بذلك، أو أخطأ وكل ذلك على وجهين: إما أن يكون ذلك في حقوق الله تعالى، أو في حقوق العباد.

فإن أخطأ وكان ذلك في حقوق إن أمكن التدارك والرد، بأن قضى بمال أو صدقة أو بطلاق أو عتاق، ثم ظهر أن الشهود عبيد أو كفار أو محدودون في القذف، فإنه يبطل ذلك القضاء، ويرد العبد رقيقاً ويرد المرأة إلى زوجها، ويرد المال إلى من أخذ منه؛ لأنه لما بطل القضاء عاد الأمر إلى ما كان قبله، وإن كان خطأ لا يمكن رده بأن كان قضى بالقصاص واستوفى، لا يقتل المقضي له بالقصاص، وإن تبين أنه قتل بغير حق ويصير صُورة القضاء شبهة مانعة وجوب القصاص، ولكن تجب الدية في مال المقضي له؛ لأن القتل الحرام في دار الإسلام لا يخلو عن عقوبة أو غرامة، وتعذر إيجاب العقوبة فتجب الغرامة، ويكون في مال المقضي له؛ لأنه تعذر الإيجاب على القاضي لأن خطأه موضوع عنه، إما لأنه مأمور بإتباع الظاهر، وقد اتبع الظاهر فقد أتى بالمأمور والإتيان بالمأمور به

<<  <  ج: ص:  >  >>