[الفصل الثاني عشر: فيما يقضي القاضي بعلمه، وفي القضاء بأقل من شهادة الاثنين]
القاضي إذا علم بحادثة في البلدة التي هو فيها قاض في حال قضائه، ثم رفعت إليه تلك الحادثة في البلدة، وهو في قضائه بعد، يقضي بعمله في حقوق العباد قياساً واستحساناً، في الأموال وغيرها، كالنكاح والطلاق وغير ذلك فيه على السواء، لأن العلم الحاصل له بمعاينة السبب فوق العلم الحاصل بالشهادة؛ لأن في الشهادة احتمال الكذب، ولا احتمال في المعاينة، ثم القاضي يقضي بالشهادة في هذه الحقوق، فبمعاينة السبب أولى.
ثم إن صاحب «الأقضية» ذكر في هذه المسألة إذا علم بحادثة في حال قضائه، وفي مجلس قضائه.
وذكر الخصاف في هذه المسألة إذا علم في البلدة التي هو فيها قاضي في حال قضائه في مجلس قضائه، أو في غير مجلس قضائه.
وفي «المنتقى» عمرو بن أبي عمرو عن محمد رحمه الله في «الإملاء» : قال أبو حنيفة رحمه الله: ما أقرّ به رجل بين يدي القاضي أخذه به إلا الحدود الخالصة للهِ تعالى نحو الزنا وشرب الخمر والسرقة، قال: هذا إذا أقرّ به عند القاضي في مجلس القضاء، أما إذا أقرّ به في غير مجلس القضاء لم يأخذه بشيء من ذلك، وهذا قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله هذا الذي ذكرنا في حقوق العباد، أما في الحدود الخالصة لله تعالى يقضي بعلمه قياساً، ولا يقضي بعلمه استحساناً؛ لأن الحدود الخالصة لله تعالى، يستوفيها الإمام من غير أن يكون هناك خصم مطالب، فلو قضى بعلم نفسه يتهمه بعض الناس بالحدود، وبالإقامة بغير حق، وعليه أن يصون نفسه عنه، بخلاف القصاص وحد القذف؛ لأن هناك خصم مطالب، إلا أنه إذا أتى بالسكران، فالقاضي يعزره لأجل التهمة، لما به من أمارات السكر، ولا يكون ذلك حداً.
وأما إذا علم بحادثة قبل أن يستقضى، ثم استقضي، ورفعت إليه تلك الحادثة، وهو قاض فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله لا يقضي بذلك العلم، وعلى قول أبي يوسف: ما ذكرنا أن العلم الحاصل بالمعاينة فوق العلم الحاصل بالشهادة، ومذهب أبي حنيفة رحمه الله مذهب شريح والشعبي.
والمعنى فيه أن العلم الحاصل قبل القضاء علم شهادة، وأنه دون علم القضاء؛ لأن علم القضاء علم بما هو ملزم، فإن القضاء ملزم وعلم الشهادة ليس بملزم؛ لأن الشهادة لا تصير ملزمة إلا بقضاء القاضي، فلو جاز القضاء إما أن يجوز بذلك القدر، ولا وجه إليه، وإما أن يقال يزداد علمه ولا وجه إليه؛ لأن الموجود ليس إلا تقلد القضاء، وإنه لا يوجب زيادة العلم.
وأبو يوسف رحمه الله احتج على أبي حنيفة رحمه الله، فقال: ألا ترى أن رجلاً لو سمع رجلاً طلق امرأته أو أعتق أمته، وهو يقدر على أن يحول بين المرأة والأمة، وبين