إذا ذكر الشهود ثلاثة حدود قبلت شهادتهم، وكيف يحكم بالحد الرابع في هذه الصورة إذا قبلت شهادة الشهود، قال الخصاف في «وقفه» : أجعل الحد الرابع بإزاء الحد الثالث، حتى ينتهي إلى مبتدأ الجزء الأول أي بإزاء الحد، الأول وإن ذكر المدعى الحدود الأربعة وأخطأ في واحد منهما لا تقبل شهادتهم عندنا، خلافاً لزفر رحمهم الله وزفر رحمه الله قاس ترك ذكر أحد الحدود بوقوع الغلط، ونحن فرقنا بينهما، والفرق أن بالغلط يختلف المدعى به، وبالترك لا تختلف دعواه والله أعلم.
[الفصل الثامن: في أفعال القاضي وصفاته]
قال صاحب «الأقضية» : وأكره للقاضي أن يفتي في القضاء للخصوم، وهذا فصل اختلف فيه العلماء، قال بعضهم: لا يفتي في مجلس القضاء أصلاً كيلا يشغله ذلك عن سماع الخصومات، وقال بعضهم يفتي في العبادات، ولا يفتي في المعاملات، مجلس القضاء وغيره في ذلك على السواء، وهذا لأنه لو أفتى في المعاملات، فالناس يقفون على رأيه في المعاملات، فيشغلون بالتلبيس فيما يقع بينهم من المعاملات والخصومات، فيصير القاضي كالملقن والمعلم لهم، وهذا المعنى لا يتأتى في العبادات، وبعضهم قالوا: يفتي في المعاملات، والعبادات جميعاً في مجلس القضاء وغيره، فقد كان رسول الله عليه السلام يفتي، وكذلك الخلفاء بعده.
واتفقوا على أنه لا يفتى للخصوم حتى لا يفتون على رأيه فيشغلون بالتلبيس.
وفي «المنتقى» : الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله لا ينبغي للقاضي أن يفتي في شيء من أمر الخصومات، ولا يفتي أحداً يرى أنه من قبل خصم يخاصم إليه، وإن كان رجل يثق به، وهو لا يخاصم، ولا يتهم أنه يستفتى لخصم يخاصم إليه، فلا بأس بأن يفتيه.
وروى ابن سماعة عن أبي يوسف في رجلين تقدما إلى القاضي في أمر، فظن القاضي أنهما إنما تقدما إليه ليعلما ما يقضي به في ذلك، أقامهما من عند نفسه، لأنه نصب لفصل الخصومات لا لتلقين الخصوم وتعليم المخارج.
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : ولا ينبغي له أن يبيع ويشتري ليتيم أو ميت مديون؛ لأن ذلك من عمل القضاء، ومباشرته في باب القضاء أنفى للتهمة، وإنما لم يكن له أن يبيع ويشتري في مجلس القضاء لنفسه، لأن البيع والشراء يجري فيهما المماكسة عادة فتذهب حشمة المجلس، ولو باع واشترى لنفسه في غير مجلس القضاء جاز عندنا، فقد باشر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وكذلك الخلفاء بعده، والمعنى فيه أن حاجته إلى البيع والشراء بعد تقلد القضاء، كحاجته إليه قبل تقلد القضاء وقبل القضاء ملك البيع والشراء لحاجته فبعد القضاء يملك، ولحاجته أيضاً، ومن المشايخ من قال: إن كان يكفى المؤنة من جهة بيت المال، أو يبيع ويشتري ممن يعلم أنه يحابيه لحشمة