القضاء، يكره له أن يبيع ويشتري بنفسه، وإن لم يكن يكفى المؤنة من جهة بيت المال ويبيع ويشتري ممن يعلم أنه لا يحابه لحشمة القضاء، فلا يكره له ذلك.
وأطلق المسألة في «المنتقى» فقال: ولا ينبغي له أن يشتري ويبيع ما دام قاضياً، وينبغي ذلك غيره ممن يثق به، ولا ينبغي له أن يستقرض إلا من صديق له أو خليط له، كان قبل أن يستقرض، ولا يخاصم إليه ولا يتهم أنه تعين خصماً، وكذلك الاستعارة، وتشييع الجنازة ويعود المريض؛ لأن هذه الأشياء من حقوق المسلم على المسلم، قال عليه السلام:«ست من حقوق المسلم على المسلم» ، وذكر من جملتها «أن يشيع جنازته، وأن يعوده مريضاً» وما كان على الإنسان من حق لا يسقط بتقليده القضاء، ولكن لا يطيل مكثه في ذلك المجلس، لأن الذين حضروا مجلسه ينتظرونه، ولا يمكن أحداً من الخصوم يتكلم معه في ذلك المجلس بشيء من الخصومات لأن الخصم الآخر يتهمه.
ولا يقضي وهو غضبان. قال عليه السلام:«لا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان» ، واختلف عبارة المشايخ في تخريج المسألة بعضهم قالوا: لأنه ينتقم من أحد الخصمين إذا تقدما إليه هكذا، هو العادة أن الإنسان إذا غضب ينتقم ممن يتقدم إليه فيكون ذلك ظلماً منه، وهذا القائل لا يفصل فيما إذا كان وجه القضاء بيناً، وبينما إذا لم يكن بيناً، وإطلاق الحديث يشهد لهذا القائل.
وبعضهم قالوا: بسبب الغضب يتفرق رأيه، فتشتبه عليه جهة الصواب، وهذا القائل يفصل بينما إذا كان وجه القضاء بيناً، وبينما إذا لم يكن وجه القضاء بيناً، لأن وجه القضاء إذا لم يكن بيناً يحتاج فيه إلى التأمل، والاجتهاد فيه مرة يفرق الرأي، بخلاف ما إذا كان بيناً، لأنه لا يحتاج فيه إلى التأمل والاجتهاد وهذا القائل يقول: بأن الحديث محمول على ما إذا لم يكن وجه القضاء بيناً.
وكذلك لا يقضي إذا دخله نعاس؛ لأن الذي دخله نعاس لا يفهم ما يذكر عنده، فلا يدري بأيّ شيء يقضي.
ولا يقضي وهو جائع أو عطشان، لأن الجوع يقطع الرأي، والعطش كذلك فيشتبه عليه جهة الصواب، قالوا: وهذا إذا لم يكن وجه القضاء بيناً فأما إذا كان وجه القضاء بيناً فلا بأس بأن يقضي.
وعن هذا قال مشايخنا: لا ينبغي له أن يتطوع في اليوم الذي يريد المجلس للقضاء، لأنه ربما يلحقه جوع مفرط فيضعف رأيه، ويعجز عن إدراك الصواب، وكذلك لا يقضي، وهو كضبط الطعام لأنه إذا كان هكذا يمل القوم ويحب النوم، ولكن ينبغي أن